في حين يبحث الإيرانيون عن رد على عملية اغتيال العالم النووي محسن فخري زادة، طالبت صحيفة “كيهان” المقربة من المرشد الأعلى للجمهورية السيد علي خامنئي، في افتتاحيتها، الأحد، باستهداف إسرائيل في حال “ثبت” ضلوعها في الاغتيال.
ودعت الصحيفة إلى “ضرب مرفأ حيفا (…) بطريقة تهدم بنيته التحتية، وتتسبب بحصيلة بشرية”، ما سيؤدي “بالتأكيد إلى تحقيق الردع لأن الولايات المتحدة وإسرائيل (…) ليسا مستعدين بأي شكل من الأشكال لخوض حرب”.
ولم تعلق إسرائيل رسمياً على العملية حتى الآن.
في الأثناء ذاتها، وقع أعضاء مجلس الشورى بالاجماع بياناً يدعو إلى الرد على الاغتيال ومنع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من دخول منشآت البلاد.
وقد عقد مجلس الشورى، الأحد 29 نوفمبر (تشرين الثاني)، جلسة مغلقة حضرها وزير الاستخبارات محمود علوي لبحث “التحقيق في الاغتيال”، وفق وكالة “إيسنا”.
ودعا رئيس المجلس محمد باقر قاليباف عبر التلفزيون الرسمي إلى “رد فعل قوي” على الاغتيال، يسهم في “الردع والانتقام” من الضالعين فيه.
“الرد الأمثل”
وفي بيان، الأحد، رأى مجلس الشورى، أن الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفاءهما، باتوا “جسورين” في “إرهابهم وتخريبهم” ضد إيران، وصولاً إلى اغتيال فخري زادة.
ورأى المجلس أن “الرد الأمثل” على ذلك، سيكون “إحياء الصناعة النووية الإيرانية”، وتعليق العمل بالبروتوكول الإضافي الملحق بالاتفاق النووي، الذي يتيح هامشاً أوسع للمفتشين في تفقد المنشآت الإيرانية.
ودعا البيان الذي وقعه النواب بالاجماع إلى منع دخول المفتشين إلى المواقع، بحسب وكالة أنباء مجلس الشورى “إيكانا”.
اسبق لعدد من النواب أن اتهموا المفتشين بأداء دور “جواسيس”، والحصول على معلومات قد تكون أسهمت باغتيال فخري زادة، لكن المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، بهروز كمالوندي، شدد في تصريحات نشرتها وكالة “إرنا”، ليل السبت، على أن أي تغيير في طبيعة عمل المفتشين “يعتمد على صدور قرار من الجهات العليا في هذا الخصوص”.
وفي تصريحات نقلتها وكالة “تسنيم”، أبدى النائب عن طهران محمود نبويان “عدم ثقة” بالمفتشين الدوليين، مشيراً إلى أنه “إضافة إلى الزيارات، سنمنعهم من إجراء مقابلات مع الخبراء والعلماء” الإيرانيين.
وأضاف “في حالة الشهيد فخري زادة كان يمكن للعدو التعرف إليه من خلال طريقتين، الأولى استخباراتية عن بعد، والثانية هي المقابلة المباشرة. وعلى الرغم من أنه لم يتم تسجيل مقابلة، فإنه يجب إغلاق كل الطرق التي يمكن أن تؤدي إلى تحديد هوية العلماء”.
وفتح النقاش حول دور المفتشين اعتباراً من الجمعة، بعد تغريدات للنائب جواد كريمي قدوسي، اتهم فيها روحاني بترتيبه سابقاً لقاء بين فخري زادة ومسؤولين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكن كمالوندي نفى حصول ذلك، بحسب “إرنا”.
وأعاد الحادث فتح باب النقاش في شأن التزامات إيران النووية.
معاقبة الضالعين وذكاء الأمة
كان المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية السيد علي خامنئي قد أكد ضرورة “معاقبة” الضالعين في الاغتيال، ومواصلة النشاطات التي كان يؤديها فخري زادة، في حين اتهم الرئيس حسن روحاني إسرائيل بالوقوف خلف الاغتيال سعياً لإثارة “فوضى”، مشدداً على الرد “في الوقت المناسب”.
وقال روحاني “الأمة الإيرانية أذكى من أن تقع في فخ المؤامرة الذي نصبه الصهاينة. هم يفكرون في خلق فوضى، لكن عليهم أن يدركوا أننا كشفنا ألاعيبهم، ولن ينجحوا في تحقيق أهدافهم الخبيثة”.
ورأى روحاني، السبت، أن إسرائيل أدت دور “العميلة” في الاغتيال لـ”الاستكبار العالمي”، وهي عبارة يستخدمها المسؤولون الإيرانيون عادة للإشارة إلى الولايات المتحدة.
مراسم تكريم فخري زادة
في الأثناء ذاتها، بدأت مراسم تكريم فخري زادة، الذي كان يشغل منصب رئيس منظمة الأبحاث والتطوير في وزارة الدفاع. ووصل جثمانه مساء السبت إلى مدينة مشهد في شمال شرقي إيران، للصلاة عليه.
ونقل الجثمان، الأحد، إلى مدينة قم جنوب طهران، وبعده إلى مرقد الخميني في العاصمة الإيرانية، وفق ما أظهرت وسائل الإعلام المحلية.
ومن المقرر أن يوارى فخري زادة الثرى الاثنين بعد مراسم يحضرها أفراد العائلة وعدد من القادة العسكريين، بحسب ما أفادت به وزارة الدفاع عبر موقعها الإلكتروني، من دون تقديم تفاصيل إضافية.
وأعلنت إيران، الجمعة، وفاة فخري زادة متأثراً بجروحه بُعيد استهدافه من قبل “عناصر إرهابية” هاجموا سيارته واشتبكوا بالرصاص مع مرافقيه، في مدينة آب سرد في مقاطعة دماوند شرق طهران.
دور فخري زادة في تطوير برنامج إيران النووي
أدرجت وزارة الخارجية الأميركية اسم فخري زادة على لائحة العقوبات عام 2008 على خلفية “نشاطات وعمليات أسهمت في تطوير برنامج إيران النووي”، بينما اتهمته إسرائيل سابقاً عبر رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، بالوقوف خلف برنامج نووي “عسكري” تنفي طهران وجوده.
وأتى الاغتيال قبل نحو شهرين من تسلم الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن مهماته، وهو الذي وعد بـ”تغيير مسار” سلفه دونالد ترمب مع إيران. واعتمد الأخير سياسة “ضغوط قصوى” حيال طهران، شملت خصوصاً الانسحاب الأحادي عام 2018 من الاتفاق حول برنامجها النووي، وإعادة فرض عقوبات اقتصادية قاسية عليها.
وبعد نحو عام من الانسحاب، تراجعت طهران عن غالبية الالتزامات الأساسية في الاتفاق، لكنها أبقت على السماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بزيارة مواقع.