كتب الأب الياس كرم :
الوطن في مخاض، هو لا يزال يتخبّط في هوّة ها هو قعرها يزيد عمقًا يومًا بعد يوم. لذا لا بدّ في خضمّ كلّ هذه الأزمات من صرخة من الأعماق إلى ساكن الأعالي، صرخة يوجّهها الأب الياس كرم في مقال جديد كتب في سطوره:
ماذا يحدث في وطني، ما هذه الهستيريا والكارثة الّتي نعيشها، شعبٌ تحت مستوى الفقر، ناسٌ لم يعد مدخولهم الشّهريّ يكفي للخبز والزّيتون، أموال المودعين نُهبت، مصائب إنهمرت علينا من كلّ حدب وصوب، سعر العملة الوطنيّة إلى أدنى الدّرجات، مظاهرات، قطع طرقات، إعتصامات، صراخ، بكاء، وباء، أمراض، كوارث، تفجّع، جوع، عطش، مرض، قهر، عذابات، أحزان والنّتيجة واحدة شعبنا يستغيث ولا من مُجيب، شعبنا يلفظ أنفاسه الأخيرة ولا من مُسعف، شعبنا مات وينتظر إعلان وفاته وساعة دفنه، شعبنا ينتظر عجيبة من الله على رجاء أن يستجيب.
شبعنا وملّينا تصاريح ويأسنا من الشّعارات والوعود الكاذبة، غرقنا في متاهات سياسيّة كيديّة، والشّعب يئنّ ويصرخ: “إلى مَتى، يا ربُّ تَنساني أَإِلى الأبدِ؟ إلى متى تصرف وَجْهَكَ عنّي؟ إلى متَى أُفكِّرُ في نَفسي، وأَتوجَّعُ في قَلبي نَهارًا وليلاً؟ إلى متى يَتَرفَّعُ عَدُويّ عَلَيَّ؟ أُنْظُرْ، واستَمِعْ لي، أيُّها الرّبُّ إلهي. أَنِر عَينَيَّ، لئَلّا أَنامَ نومَةَ الموتِ”.
يا ربّ نرجوك ونلتمس عطفك أشفق علينا، ومدّ يدك وأنقذ شعبك من هذه المصائب الّتي نتخبّط بها. نطلب رحمتك علينا وعلى شعبك المسكين الّذي وقع رهينة التّجاذبات السّياسيّة والكيديّات الانفعاليّة، والكراهيّة الطّائفيّة والأجندات الخارجيّة، فيا ربّ لا تصرف وجهك عنّا، إطّلع من السّماء وانظر وتعهّد هذه الكرمة وأصلحها فإنّ يمينك غرستها.
أولادنا، شبابنا، أطبّاؤنا، قضاتنا، نخبة أبنائنا والأدمغة وجهتهم الهجرة والاغتراب بحثًا عن حياة هانئة مستقرّة، والمسؤولون في هذا البلد يتلذّذون ويتمتّعون في ثرواتهم وآذانهم صمّاء، غارقون في أحلام السّلطة وهم كالآلهة الوثنيّة: لها آذانٌ ولا تسمع، والرّبّ نهانا في وصاياها عن عبادتهم قائلاً: “لا يكن لك آلهة أخرى أمامي. لا تصنع لك تمثالاً منحوتًا ولا صورة ما ممّا في السّماء من فوق وما في الأرض من تحت وما في الماء من تحت الأرض. لا تسجد لهنّ ولا تعبدهنّ” (خر 20: 3-5)، وطرقاتنا ملأى بصور الزّعماء الّذين استعبدونا وباعونا وأذلّونا…
متى يأتي الخلاص؟ درب الجلجلة طال وطال، والشّعب السّاكن في ظلمة الاستهتار لا بريق أمل له في ظلّ عَبدة المال والشّرّ والسّلطة والاستكبار. حتّى السّلاح مُباح وبات متفلّتًا بشكل لا حدود له. أحيانًا كثيرة أشكر الله على الحجر الّذي نعيشه كي لا نخرج إلى الطّرقات ليلاً ونتعرّض لمخاطر من قطّاعي الطّرق وعصابات السّرقة والمخلّين بأمن النّاس. حتّى تنقّلاتنا في بحر النّهار باتت تحمل مخاوف ومخاوف وللأسف الآتي أعظم، وهذا ما يبشّروننا به، وهذا واضح من الوقائع المخفية، على رجاء أن لا تؤدّي هذه الأزمات إلى انفجار أمنيّ كبير كما يسعى الكثيرون له في ظلّ وجود كانتونات مقنّعة.
ويبقى الرّجاء. لذا نناجي الله في صلواتنا ونصرخ من سفر المزامير: “مِنَ الأَعْمَاقِ صَرَخْتُ إِلَيْكَ يَا رَبُّ. يَا رَبُّ، اسْمَعْ صَوْتِي. لِتَكُنْ أُذُنَاكَ مُصْغِيَتَيْنِ إِلَى صَوْتِ تَضَرُّعَاتِي.”
يا ربّ، شعبك يصرخ إليك ويستغيث بك وأنت السّميع والمجيب وحدك لا سواك.
إسمع صوتنا نحن الغارقين في لجّة اليأس من هذه المنظومة المتحكّمة بنا، ليس لنا إلّا أن نتضرّع إليك ونحن في طريقنا إلى أن نلتمس نور قيامتك. لا تُطِل علينا المخاض على رجاء وأمل أن يُشرق نور قيامتك على هذا البلد وشعبه المسكين عمّا قريب.”
المصدر:تيلي لوميار/ نورسات