طالما أن المشكلة مرتبطة بشح وتقنين الدولارات من قبل مصرف لبنان، فإنه عبثاً يُحكى عن استقرار التغذية بالتيار الكهربائي. كل فترة لا بد أن تنبت مشكلة جديدة تساهم في تخفيض معدلات الإنتاج المنخفضة أصلاً. لكن إذا كانت كهرباء لبنان قادرة على إنتاج 1800 ميغاواط من أصل نحو 3200 ميغاواط يحتاج إليها، فإن هذا المعدل صار صعب المنال. لا أحد في المؤسسة، في الظروف الحالية، يتجرأ على توقّع الوصول إلى 1200 ميغاواط. الأسباب عديدة، لكن أبرزها يتعلق بالنقص الدائم في إمدادات الفيول. هذا يُضيّق هوامش المخاطرة أمام المؤسسة. فهي لا تملك ترف استعمال المخزون الموجود وفق القدرة الإنتاجية القصوى، خوفاً من أن لا تتمكن، بسبب أي عقبة غير متوقعة، في إمداد المعامل بالفيول. عادة هذه العراقيل تكون على شاكلة نوعية الفيول لم تكن مطابقة، أو الشحنة تأخرت في الوصول بسبب حالة الطقس أو تأخر إجراءات الشحن والتفريغ… لكن منذ أكثر من سنة، صار أهم عامل يؤخر وصول الفيول هو تأخر مصرف لبنان في فتح الاعتمادات. أخيراً، وصل الأمر إلى حد التوقف تماماً عن فتح الاعتمادات إلى حين صدور قرار استثنائي موقّع من رئيسَي الجمهورية والحكومة والوزراء المختصين، يتعلق بالاقتراض من المصرف المركزي بالعملات الأجنبية (7 حزيران الحالي).منذ ذلك الحين، وإلى أن تنتهي سلفة الـ 300 مليار ليرة التي أقرّها المجلس النيابي، فإن مشكلة الفيول أو وضع الاتفاق مع العراق قيد التنفيذ، تكون قد حلّت. لكن في المقابل، لم يؤدّ ذلك إلى حلّ أزمة الإنتاج، وبالتالي تحسين التغذية. ببساطة لأن حاجة الكهرباء للدولارات لا تقتصر على تأمين الفيول. قطع الغيار والزيوت والصيانة والمعدات، كلها تُشترى بالدولار. في شباط الماضي، أثيرت مسألة حاجة الكهرباء، بمختلف قطاعاتها إلى الدولارات. اجتماعات عديدة عقدت بين وزارة الطاقة ومصرف لبنان، تضمّنت طلب المصرف من الوزارة تحديد حاجته. وبنتيجة الدراسة التي أعدّتها كهرباء لبنان، تبيّن أن الشركات المشغّلة للمعامل وشركات التوزيع تحتاج إلى ما يقارب 300 مليون دولار خلال 2021. حينها لم يكتف «المركزي» بعدم دفع الأموال المطلوبة، بل رفض وضع ميزانية تناسبه، تحدّد كهرباء لبنان أولوياتها على أساسها. وحتى الآلية التي اتبعت مرات عدة في عام 2020، أي دفع المصرف الأموال مباشرة إلى المورّدين الخارجيين توقفت. بقي القطاع عملياً منذ شباط حتى اليوم يعمل بدون صيانة وبدون أي قطع غيار، علماً بأنه في ذلك الحين، برزت إشكالية تتعلق بانتهاء عقد شركة «برايم ساوث» المشغّلة لمعملَي دير عمار والزهراني، ورفض الأخيرة تجديد العقد بدون ضمانات بقبض مستحقاتها، وبدون ضمانات بتأمين كلفة الصيانة بالدولار. لكن على الطريقة اللبنانية، حلّت المشكلة وطلب من الشركة الاستمرار مع وعد بمتابعة طلباتها.