كتب رضوان عقيل في النهار:
ينشغل اللبنانيون بمتابعة ما سينتهي اليه المحقق العدلي في جريمة تفجير المرفأ القاضي طارق بيطار في رحلته الشاقة والمليئة بالالغام، بعدما غطت هذه القضية على المراوحة المفتوحة في تأليف الحكومة وما سيفعله الرئيس سعد الحريري اذا قرر الاستمرار في تكليفه او اتجه الى الاعتذار.
واجتمعت هيئة مكتب المجلس ولجنة الادارة والعدل برئاسة الرئيس نبيه بري امس على وقع اصوات اهالي الشهداء الذين يحظون بمساحة تأييد كبيرة لدى الرأي العام المؤيد لأداء بيطار الذي لا يلقى اعتراضات على المسار القانوني الذي يسلكه سواء حضر الذين طالبهم بالمثول امامه او رفضوا المثول تحت حجة الحصانات بالنسبة الى النواب الثلاثة علي حسن خليل وغازي زعيتر ونهاد المشنوق.
وكان الاجتماع النيابي في عين التينة واضحة رسالته من خلال التأكيد على ان مسألة رفع الحصانة تعود الى الهيئة العامة. واستند المجتمعون الى مندرجات المادة 91 من قانون النظام الداخلي للمجلس.
في اختصار يقول بري في معرض رده على سؤال لـ” النهار” بأنه لا يتهاون ابدا مع هذا الملف “ومن حق اهالي شهداء المرفأ وكل اللبنانيين الوصول الى الحقيقة وعدم التغطية عليها. ولن يسكت مجلس النواب عن اي مرتكب او مقصر حيال هذا الملف من وزراء او غيرهم”.
في غضون ذلك ينتظر بري ان يتلقى من بيطار ملخصات عن مجموعة من الادلة والشبهات التي تطاول خليل وزعيتر والمشنوق اثناء توليهم مهماتهم الوزارية ليتم البناء عليها. وليس من الضرورة هنا ان يستفيض بيطار في تقديمه كل المعطيات الموجودة في حوزته حفاظا على الجزء الاكبر من سرية التحقيق.
وعندما يتلقى بري هذه الشبهات، سيعمد الى دعوة هيئة مكتب المجلس واعضاء لجنة الادارة والعدل للبحث في المستندات التي وصلته. وعلى ضوء كل هذا التفاصيل تتم الدعوة – او عدمها – الى انعقاد الهيئة العامة لرفع الحصانة عن النواب الثلاثة “والبرلمان في النهاية ومن موقع المهمات والواجبات الملقاة على عاتقه لن يتعاطى مع هذه القضية الا بما يفرضه القانون”.
في موازاة الاهتمام المتزايد بتحديد ماهية الحصانة النيابية، لا بد من الاشارة الى انها ليست ملك الشخص اي النائب ليتصرف بها كما يشاء. وتستند الى سند قانوني تمكن صاحبها في إعطاء رأيه ومراقبة السلطة التشريعية ومحاسبتها. مع الاشارة الى ان الحكومة المستقلية تلتزم مرور مجلس النواب في دورته الدستورية المنعقدة في شكل حكمي.
والملف المتعلق بالنواب الثلاثة لا يتم التعامل معه من طرف المحقق العدلي من ضمن صلاحياتهم النيابية، لأن الاخيرة منصوص عليها ومعروفة في اطار مهمة النائب. وان هذه الحصانة لا تلازم النائب عندما يعين وزيرا اي بمعنى انها لا تشمل التغاضي عن ملاحقته امام القضاء في حال ارتكابه مخالفات اثناء وجوده في الحكومة.
ولم يحسم بعد اذا كان النواب الثلاثة في حال رفع الحصانة ستتم محاكمتهم – اذا تم تثبيت تقصيرهم او اهمالهم في اداء وظيفتهم- امام المحقق العدلي او امام مجلس محاكمة الرؤساء والوزراء غير المكتمل.
ويغلب الرأي القانوني على المحاكمه امام بيطار بعد رفع الحصانة النيابية عنهم. وان كان في امكانية التوجه مباشرة الى المحقق العدلي ليستمع اليهم. لكن ما اعلنه المجلس امس يشكل المظلة لهم قبل البت وفقا لما ستتلقاه هيئة المجلس من الشبهات التي تدور حولهم.
ويؤيد قانونيون هنا ما توصل اليه النواب في اجتماع عين التينة شرط الا يكتفوا بهذه الخلاصة، لأن المطلوب منهم على ضوء ما سيصلهم من بيطار تحديد مسألة التوجه الى الهيئة العامة لرفع الحصانة او عدم الاقدام على مثل هذه الخطوة .
وماذا لو اقدم الملاحقون من وزراء سابقين وامنيين حاليين وسابقين على عدم التجاوب مع مطلب بيطار ورفضهم الحضور امامه؟
ترد مصادر قانونية هنا انه من الافضل والاسلم للجميع ان يلبوا دعوة المحقق العدلي. واذا رفضوا ذلك يستطيع توجيه اتهامات لهم بقرار ظني، ويعمل الى اصدار مذكرات توقيف في حقهم.
ان مبدأ الحصانة الذي يتمتع به النائب لا يشمله اذا ارتكب اخطاء او وقع في اهمال وظيفي اثناء تأديته مهمته الوزارية. وتصبح هذه الحصانة مشكوكا فيها اذا عمد الى استعمالها او استغلالها اثناء وجوده في اي موقع خارج مجلس النواب. وفي حال عدم مثول النواب امام القضاء نتيجة تمتعهم بحصانات ما الذي يمنع ضباطا سابقين من اللجوء الى حصانات مذهبية وسياسية على قاعدة 6 و6 مكرر. لا يبقى عندها الا القول السلام على القضاء في “بلد العجائب ” الذي انهارت كل اسسه. وبعدما تحولت قضية الحصانة مسألة رأي عام عند اكثر اللبنانيين فهم يتعاطفون مع اوجاع اهالي ضحايا تفجير المرفأ فضلا عن الذين تشردوا وتدمرت منازلهم. ومن حقهم ان يعرفوا حقيقة كل هذه المأساة من اجل ان لا يقتل احبتهم في قبورهم مرة ثانية ومن بوابة القانون هذه المرة.
لا يستخفن احد بدموع الامهات واطفالهن التي تبقى اقوى من كل الحصانات.