أكّد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أنّه “لا يحقّ لأيّ مسؤول أن يتذرّع بصلاحيّاته ليؤخّر تأليف الحكومة أو لأيّ آخر بفائض صلاحيّات لحجب الحكومة”.
وقال في عظة الأحد: “لمّا ربط السياسيّون عبادة الله بالمكان، وتخلّوا عن العبادة بالروح والحقّ! ولمّا ارتبطوا بالحرف وخنقوا الروح، اختلّ عندنا الفصل بين الدين والدولة، وتشوّه ميثاق العيش معًا والمشاركة في الحكم والإدارة، وبلغنا إلى حالة البؤس والإنهيار والتفرقة، واللاثقة والتباغض والعداوة، والسعي إلى إقصاء الغير عن المشاركة في مائدة خدمة الخير العام والوطن. فانحرف لبنان عن ذاته الجوهريّة رغمًا عنه.
هذا الواقع المرّ والموجع لم يمسّ بعد قلوب المسؤولين وضمائرهم. فإنّهم لم يغيّروا شيئًا في سلوكهم لا بعدَ مؤتمر ِباريس، ولا بعدَ ذكرى 4 آب التي هزّت الرأي العام الداخليّ والعالميّ، ولا بعد تسخينِ جبهةِ الجنوب في هذه الأيّام لحرفِ الأنظارِ عن قدسيّة ووهج قدّاس شهداء وضحايا انفجار المرفأ على أرضه، وقد استقطب أنظار العالم كلّه ومسّهم في أعماقهم.
ونسأل المسؤولين والسياسيّين: كيف ستُقنعون الشعبَ أنّكم أهلٌ لقيادتِه نحو الخلاص وكلُّ يومٍ تزّجونه في أزمةٍ جديدة؟ كيف ستقنعون العالم أنكم أهلٌ للمساعدةِ ولا تَكترثون بالمؤتمراتِ الدوليّةِ المخصَّصةِ لإغاثةِ اللبنانيّين والجاهزةِ لإنقاذِ لبنان؟ بل كيف ستُقنعون أنفسَكم بأنّكم كنتم على مستوى المسؤوليّةِ والآمال؟ هل فيكم شيء من الإنسانيّة لتشعروا مع الناس ببؤسهم؟
أمّا السؤال الأكبر والأساس فهو: لماذا لا يتمّ تأليف حكومة بعد كلّ ذلك؟
أهو الخلافِ على توزيعِ الحقائبِ الوزاريّةِ؟ فهذا عيب في الظروفِ العادية، ومخزٍ في الظروفِ المأسوّية التي يعيشها اللبنانيّون، وأنتم لم تشعروا بها إلى الآن؟ تَتصارعون على الوزارات، لكنّكم تَتصارعون على ما لا تَملِكون لأنَّها ملك الشعب. فابحَثوا بالأحرى عن وزراءَ يَليقون بالوزاراتِ لا عن وزاراتٍ تؤمِّنُ مصالحَكم.
أم هو خلاف على الصلاحيّات؟ فنقول: “لا يَحِقُّ لأيِّ مسؤولٍ أن يَتذرَّعَ بنقصٍ في صلاحيّاتِه لتغطيةِ تأخيرِ تأليفِ الحكومة، أو لأيّ آخر أن يتَحجَّجَ بفائضِ صلاحيّاتٍ ليَفرِضَ حكومةً على الشعب. فالصلاحيّاتُ لم تكن يومًا مِعيارَ القدرةِ أو العجز عن تشكيلِ حكومة. لذا، ندعو كلَّ مسؤولٍ يَشعُر بأنّه يَتمتّعُ بصلاحياّتٍ إلى تحملِّ مسؤوليّاتِه وتأليفِ الحكومة وإنقاذ البلاد على الفور، والقيامِ بواجباته تجاه شعبِه ووطنِه.
إنّنا نقف إلى جانب أهلنا في الجنوب لنشجب توتّر حالة الأمن. وقد سئموا -والحق معهم- الحرب والقتل والتهجير والدمار. وفيما نُدين الخروقاتِ الإسرائيليّةَ الدوريّةَ على جنوب لبنان، وانتهاك القرار الدوليّ 1701، فإنّنا نَشجُبَ أيضًا تَسخينَ الأجواءِ في المناطق الحدوديّة انطلاقًا من القرى السكنيّةِ ومحيطِها. كما إنّنا لا يمكننا القبول، بحكم المساواة أمام القانون بإقدام فريقٍ على تقريرِ السلمِ والحربِ خارجَ قرارِ الشرعيّةِ والقرارِ الوطني المنوط بثلثي أعضاء الحكومة وفقًا للمادّة 65، عدد 5 من الدستور. صحيح أنَّ لبنانَ لم يُوقِّع سلامًا مع إسرائيل، لكن الصحيحَ أيضًا أنَّ لبنانَ لم يُقرِّر الحربَ معها، بل هو ملتزمٌ رسميًّا بهدنة 1949. وهو حاليًّا في مفاوضاتٍ حولَ ترسيمِ الحدودِ، ويَبحث عن الأمنِ، والخروجِ من أزَماتِه، وعن النهوضِ من انهيارِه شبه الشامل، فلا يريد توريطه في أعمالٍ عسكريّةٍ تَستدرِجُ ردودًا إسرائيلية هدّامة.
ونَهيب بالجيشِ اللبنانيِّ المسؤول مع القوات الدولية عن أمن الجنوب بالسيطرة على كامل أراضي الجنوب وتنفيذ دقيق للقرار 1701 ومنع إطلاق صواريخ من الأراضي اللبناني لا حرصًا على سلامة إسرائيل، بل حرصًا على سلامة لبنان. نريد أن ننتهي من المنطق العسكري والحرب واعتماد منطق السلام ومصلحة لبنان وجميع اللبنانيّين.
نسأل الله أن يستجيب صلاة اللبنانيّين، وينعم علينا بالسلام و”بقيامة” لبنان. له المجد والتسبيح، الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.