في خطبة نارية وجهت السهام الى رئيس الجمهورية حكوميا، والى مسار التحقيقات في انفجار المرفأ، في حضور الرئيس المكلف نجيب ميقاتي ورئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب، أكد مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان أن “الوقت الذي هو من عمر اللبنانيين يُضيَّع بين مشاورات ولقاءات فيها ويشوبها الكثير من التعنّت والتصلّب ومحاولة إلغاء الآخر”…وأضاف “التصويب على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب أمرٌ مرفوض وغريب عن أصول التعامل مع رئاسة الحكومة والإصرار على هذا النهج من قبل البعض في السلطة القضائيّة التي لا نتدخّل في عملها يُسيء إلى أصول مفهوم التعامل مع الرئاسة الثالثة في قضيّة انفجار مرفأ بيروت”.
وتابع: “فلتُرفع كلّ الحصانات عبر إصدار قانون من مجلس النواب ولتأخذ العدالة مجراها بعيداً من الانتقائيّة والاستنسابيّة والكيديّة المقيتة فالعدالة الانتقائيّة ليست عدالة”.
واعتبر ان “ما جرى من انفجار مرفأ بيروت وانفجار التليل في عكار والاشتباكات المتنقّلة في بعض المناطق سببه الأساس هو الترقيع فلنقلع عمّا نحن فيه من تخبّط وإلا فإنّنا ذاهبون فعلاً إلى الأسوأ والانهيار الشامل”.
وتوجه إلى رئيس الجمهورية ميشال عون قائلاً، “حاول أن تنقذ ما تبقّى من عهدك وإلا فنحن ذاهبون إلى الأسوأ وإلى أبعد من جهنّم إلى قعر جهنّم كما بشّرتنا”.
خطبة: افتتح مفتي الجمهورية مسجد محمد البساتنة في مستديرة شاتيلا – بيروت في حضور رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب والرئيس المكلف نجيب ميقاتي ووزراء ونواب حاليين وسابقين والعديد من الشخصيات السياسية والدينية والاجتماعية والثقافية والتربوية والعسكرية والاعلامية ورجال الأعمال وأعضاء المجلس الشرعي ومحافظين ورؤساء بلديات ومخاتير.
وبعد افتتاح المسجد الذي بناه أبناء المرحوم محمد البساتنه على نفقتهم الخاصة صدقة جارية عن روح والدهم بدعوة من المديرية العامة للأوقاف الإسلامية، ألقى المفتي دريان خطبة الجمعة، وجاء فيها:
“الحمد لله وفق من شاء من عباده إلى الخير، فليس عنه يعدلون، وحبب إليهم العمل الصالح فليس في غير مرضاته يطمعون، وأثابهم على أعمالهم ثوابا جزيلا فإياه يحمدون ويشكرون .
سبحان من نسب المساجد إليه وجعلها بيوتا للقدوم عليه ، حث على عمارتها وصيانتها وجعل ذلك من أسباب السعادة. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، فضله عظيم ، وجوده عميم .
ونشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله، صاحب الخلق العظيم ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى جميع آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد :
أيها المسلمون: اتقوا الله: فإن تقواه أفضل مكتسب وطاعته أعلى نسب ، قال تعالى : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
أيها المسلمون : المساجد بيوت الله، لها في الإسلام مكانة رفيعة، وقدسية عالية، أضاف الله المساجد إلى نفسه إضافة تشريف وتعظيم، فقال عز وجل : وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا، أذن الله برفعها وعمارتها ، وأمر ببنائها وصيانتها ، فقال تعالى : في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال * رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار * ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب.
هي أحب البقاع وأطهر الأصقاع ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (أحب البلاد إلى الله تعالى مساجدها) ، ولا أدل على تلك الأهمية من فعله صلوات الله وسلامه عليه ، حين قدم مهاجرا إلى المدينة المنورة ، فلم تطأ قدمه بيت أحد من أصحابه رضي الله عنهم حتى اطمأن إلى تحديد مكان المسجد النبوي ، حيث أنيخت ناقته بأمر ربها ، فكان أول عمل باشره بناء المسجد ، ليعلن للأمة وليعلم الأجيال أن مرتكزنا القوي هو المسجد ، منه تنطلق الدعوة ، وفي رحابه تتربى الأرواح الزكية ، وبنداءاته تهتدي القلوب التقية.
في المسجد يجد المؤمن راحته وأنسه، حيث يناجي ربه ومولاه، ويتوجه إلى بارئه بالركوع والسجود، والتلاوة والدعاء. فقد أخبرنا النبي صلوات الله وسلامه عليه عن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وذكر منهم : (ورجل قلبه معلق بالمساجد)، فكلما نودي للصلاة سارع المؤمن بشوق، وإذا قضى صلاته ظل قلبه معلقا فيه، قلوب ملأها الإيمان والتقى، فسارعت إلى الخيرات ومحو الخطيئات ورفع الدرجات، سارعت إلى النور التام، فانتظرت الصلاة بعد الصلاة، فلم تزل الملائكة تصلي على أصحابها حتى ينصرفوا، قلوب أبت سبيل المنافقين الذين لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى.
أبناء المغفور له بإذن الله محمد البساتني، نحسبهم من عباد الله الصالحين ، شيدوا بيتا لله نفتتحه اليوم، برا بوالدهم ، وذكرا حسنا له ولذريته، وصدقة جارية عن روحه الطاهرة، فجزاهم الله أحسن الجزاء في الدنيا والآخرة، وكل الامتنان والتقدير وصالح الدعوات ، لكل من ساهم وسهل وساعد في إشادة وبناء هذا الصرح الإيماني المميز.
أضاف المفتي دريان :”اليوم ما زلنا نبني المساجد ولله الحمد. ونشارك بإيجاب في المحافظة على الوطن واستقراره، ولا نشارك في خلق الاضطرابات، أو نوقع الضرر بالاستقرار، ولا بمقتضيات العيش المشترك الحرصاء عليه، ومع هذا، فإن مناخ الإحباط السائد في البلد ، سببه عدم تشكيل حكومة ترعى مصالح الناس حتى الآن ، فالوقت الذي هو من عمر اللبنانيين، يضيع بين مشاورات ولقاءات ، فيها الكثير من التعنت والتصلب ومحاولة إلغاء الآخر، والوطن على شفا جرف هار، وهم لا يزالون يبحثون عن مكتسباتهم التي لا قيمة لها إذا خسرنا الوطن.
التخبط السياسي والاجتماعي والمعيشي الذي نعيشه مؤلم، وأوجع كل الناس ، وأرهق كاهل المواطن الذي يعاني الأمرين وهو صابر ، ونخشى بعد هذا الوقت الطويل أن ينفد صبر اللبنانيين ، ونقع جميعا في أتون الفوضى الشاملة، التي بدأنا نرى مظاهرها في شتى المجالات، ولا نرضى أن نكون شهود زور على ما يحصل في بلدنا ، فالأمر يحتاج إلى معالجة جدية وفورية، والترقيع لا ينفع ، فما جرى من انفجار مرفأ بيروت ، وانفجار صهريج المازوت في عكار، والاشتباكات المتنقلة في بعض المناطق اللبنانية، سببها هذا الترقيع ، فلنقلع عما نحن فيه من تخبط ، وإلا فإنا ذاهبون فعلا إلى الأسوأ وإلى الانهيار الشامل.
وقال: “ان موقع رئاسة الحكومة لا يقل أهمية وقدرا عن أي موقع رئاسي آخر في لبنان ، فاحترامه واجب، ونحن حرصاء على أن يبقى هذا الموقع مصانا، حفاظا على التوازن بين مواقع الرئاسات الثلاث . والتصويب على رئيس حكومة تصريف الأعمال، الدكتور حسان ديان، أمر مستهجن، وغريب عن أصول التعامل والتخاطب مع رئاسة الحكومة.
وإن الإصرار على هذا النهج من قبل البعض في السلطة القضائية – التي لا نتدخل في عملها – ، يسيء إلى أصول مفهوم التعامل مع الرئاسة الثالثة، في قضية انفجار مرفأ بيروت ، فلترفع كل الحصانات بإصدار قانون من المجلس النيابي بهذا الخصوص، ولتأخذ العدالة مجراها أصولا على الجميع بعيدا عن الانتقائية والاستنسابية والكيدية.
علينا أن نترفع عن الترهات التي ترافق كل تكليف ، كما ترافق تكليف الرئيس نجيب ميقاتي ، الذي جاء بناء لرغبة النواب الذين سموه، وبتزكية من رؤساء الحكومة السابقين، ومباركة من دار الفتوى، التي لا تميز بين أبنائها ، بل هي ترجو الخير للجميع ، نحن في بلد التعايش الإسلامي المسيحي، نرفض أن نميز بين لبناني وآخر، وما يحكى اليوم عن أن المسلم يسمي المسلم، والمسيحي يسمي المسيحي في الحكومة العتيدة، هو أمر خطير ومفرق، وينبغي تداركه ، ولا نرضى أن تساس الأمور هكذا ، وكأننا نعيش في جزر داخل جزر، لا في دولة واحدة ، ومعاييرنا وطنية بامتياز، وليست معايير طائفية . فلنترفع عن هذا المنطق الأعوج ، ولننظر بمنظار الحكمة التي تؤيد هذا المنطق ، وإلا فسوف يمزق الوطن أكثر مما هو ممزق، خصوصا وأن شبابه ومثقفيه، أمل المستقبل، يهاجرون، فمهلا يا شباب لبنان، وطنكم بحاجة إليكم، وأنتم مطالبون بالوقوف إلى جانبه في محنته، والأوطان في الأزمات، لا ينقذها ولا ينهض بها إلا شبابها، وكذلك شيبها، فإذا هاجرتم اتسعت رقعة الفراغ التي سيستغلها المتربصون بالوطن، والمستغلون ضعفه في أزماته، فماذا أنتم فاعلون ؟
أضاف المفتي دريان: “المحنة طالت الجميع، فهل نترك جميعنا الوطن ؟ أم نتشبث في أرضنا ونصبر، ونعمل على تذليل كل الصعاب التي تواجهنا ؟
كلنا يعلم مدى الإذلال الذي يعانيه شعبنا اليوم، لتأمين لقمة عيشه ودوائه ومحروقاته، فهو حتما نتيجة سياسات الدولة الضعيفة والخاطئة، التي قصرت في أداء دورها للقيام بما هو مطلوب، ومعالجة ما استجد بالطرق العلمية التي تعتمدها دول كنا قديما نسبقها ، فإذا هي اليوم في مصاف الدول المتقدمة”.
وختم المفتي دريان: “لنعد إلى مساجدنا، فهي قلاع الإيمان، وحصون الفضيلة، ومعاهد الثقافة، هي المدرسة والمصلى ، هي بيوت الله في الأرض وكفى ، أطهر الساحات وأنقى البقاع ، فيها تنزل الرحمات وتحل السكينة، وتنشر الصلة والمودة والرحمة، ويتعارف المسلمون، ويتآلفون ويتعاونون، ويتزاورون ويتراحمون.
نفعنا الله وإياكم بهدي كتابه ، وسنة نبيه ، وفعل أصحابه.
وغفر لمن كان جمعنا بسببه، وتقبل منكم ما قدمتم برا بوالدكم، صدقة جارية إلى يوم الدين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ، فاستغفروه ، إنه هو الغفور الرحيم”