أثناء استقباله المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا، في دار الفتوى الثلاثاء الماضي، سألته عن قرار الرئيس سعد الحريري «تعليق» العمل السياسي، فبادر سيد الدار ضيفته بالقول: «الطائفة السنّية تزخر بالطاقات». أمس، وفي خطوة لافتة، زار دريان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في السراي الكبير، قبل أن يصطحبه لأداء صلاة الجمعة في الجامع العمري، بحضور الرئيس فؤاد السنيورة. بعد اللقاء أكد ميقاتي «أننا لن ندعو إلى مقاطعة سنية للانتخابات. وأكيد هناك انتخابات في أيار». قبل ذلك، ليل الخميس، سلّم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بـ«اختفاء» الحريري عن الساحة السياسية، و«سنرى من ستفرز السّاحة السنّية»، معلناً أنه سيخوض الانتخابات بالتحالف مع القوات اللبنانية، ولو خسر بعض المقاعد.
هذه المرة «حسبتها» الرياض جيداً، بإبلاغها كل من يعنيهم الأمر أنه ممنوع الاعتراض على قرار «إعدام» الحريري، أو التضامن مع من كان يطلق عليه دريان «ضمانة لبنان». وممنوع أن يخرج نهاد مشنوق آخر، من دار الفتوى، ويصرح بـ«أننا لسنا قطيع غنم وتحكمنا انتخابات لا مبايعات»، كما بعد خطف رئيس الحكومة السابق في الرياض عام 2017. وممنوع أيضاً أن يقاطع السنّة الانتخابات لنزع أي ذريعة تؤدي للدعوة إلى إرجائها تحت عنوان فقدان الميثاقية.
عملياً، تريد الرياض، سريعاً، طي مرحلة سعد الحريري وأن يطوي النسيان الرجل، وعلى الجميع التفرّغ للمرحلة المقبلة. الأمر السعودي حالياً هو «إلى الانتخابات در»، مع درجة كبرى من التوتير تحت شعار «نزع سلاح حزب الله». وقد بدأ ذلك بالفعل بما سُمّي «المبادرة الخليجية» التي أعادت إحياء القرار 1559.
أمر التوتير يأتي بالتزامن مع مؤشرات من فيينا حول احتمالات كبيرة للتوصل إلى اتفاق أميركي – إيراني في شباط المقبل، بعد مفاوضات نجحت طهران في إجبار واشنطن على أن تنحصر بالملف النووي فقط. فيما كان الأميركيون وحلفاؤهم الإسرائيليون والسعوديون والإماراتيون يرغبون بأن يشمل الـ«ديل» برامج الصواريخ الدقيقة، واليمن، وما يسمّونه «أذرع» إيران في المنطقة، وفي مقدمها المقاومة في لبنان.
ممنوع أن يقاطع السنّة الانتخابات لنزع أي ذريعة تؤدي للدعوة إلى إرجائها تحت عنوان فقدان الميثاقية
بهذا المعنى، فإن إزاحة الحريري تأتي في سياق استراتيجية التوتير هذه. باتت الساحة خالية أمام سمير جعجع الذي تدغدغه أحلام الرئاسة، لـ«تزعيمه» على مجلس النواب المقبل، بعدما أدّى كل ما عليه ليصبح الحصان الوحيد الذي تراهن عليه الرياض: تآمر على الحريري حدّ إخراجه نهائياً من الحلبة، وقدّم في كمين الطيونة أوراق اعتماده كالرجل الوحيد القادر على مواجهة حزب الله. أما الأميركيون الذين كانوا يراهنون على الشارع المسيحي للحصول على «بيضة قبّان» في المجلس المقبل من 10 إلى 15 نائباً، فقد زادوا إلى رهانهم اليوم استقطاب قسم من الشارع السني لرفع غلّتهم إلى ما بين 20 و25 نائباً. وبعدما كان لافتاً رد فعلهم الفاتر على «اعتزال» الحريري، «دشّنوا» حملتهم الانتخابية بالفعل بجولة قام بها وفد من السفارة الأميركية على «تركة» الحريري من نواب عكّار أول من أمس.
بهذا، يبدو أن صفحة التمديد للمجلس النيابي الحالي طُويت (إلى حين؟)، بعدما كان الرهان على أن جنبلاط وحده من يمكن أن يجرؤ ويكفي الجميع «شرّ الانتخابات»، بإعلانه التضامن مع الحريري والعزوف وطائفته عن خوض الاستحقاق، ما يفقده ميثاقيته. علماً أن في التمديد مصلحة لزعيم المختارة الذي يفوز غالبية نوابه بأصوات سنية، كما للحريري نفسه. إذ يعني بقاءه في اللعبة، عبر نوابه في البرلمان، ويجعل قراره «تعليق» العمل السياسي «تعليقاً» بالمعنى الحرفي، لا خروجاً نهائياً. كما أنه، لجبران باسيل، فرصة لالتقاط الأنفاس، والبقاء على رأس كتلة نيابية وازنة لن ينال مثلها غالباً في الدورة المقبلة، ناهيك عن إمكانية مقايضة التمديد للمجلس بتمديد مواز لرئيس الجمهورية. فيما لا يمانع ثنائي أمل – حزب الله تمديداً في انتظار جلاء المشهد الإقليمي بعد مفاوضات فيينا والمحادثات السعودية – الإيرانية وتطورات الميدان اليمني.
عليه، تبدو الأمور متجهة إلى مزيد من التوتير في المرحلة المقبلة بالعودة إلى شعارات الـ 2005، ومزيد من الضغوط الغربية والعربية على لبنان، مع كثير من المال السياسي، من أجل تعبيد طريق المجلس أمام «البطل» الذي سينزع سلاح المقاومة!