لفت رئيس مجلس النواب نبيه بري، في الكلمة الّتي ألقاها في افتتاح أعمال الدورة الثانية والثلاثين لمؤتمر الإتحاد البرلماني العربي في القاهرة، إلى أنّ “انطلاقا من صورة المشهد العربي على طول مساحته الجغرافية، أقولها بكل صراحة وشفافية وإعذروني سلفا إذا ما كانت الصراحة في هذا المقام جارحة، إلا أن المرحلة لم تعد تحتمل إلا قول الحقيقة ومصارحة شعوبنا والوقت لا يسير لصالحنا والظرف في الزمان والمكان يستدعي تقديم مقاربات لقضايانا وللتحديات والمخاطر التي تحدق بنا جميعا من دون إستثناء، أن المشهد العربي سياسيا وأمنيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا وصحيا واستراتيجيا ربما تحضر فيه كل الأشياء المفيدة لكل قطر على حدة، وأيضا تحضر الكثير من الأشياء والعناوين التي تهدد أمننا القومي وتسيء إلى هويتنا العربية وإلى تراثنا ولغتنا وتاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا والأخطر تسيء لقيم الإسلام الأصيل وكل الرسالات السماوية السمحاء”.وشدّد على أنّ “للأسف، تحضر كل تلك الأشياء ويغيب شيء محوري وأساسي في صيرورة وجودنا وتألقنا واستقرارنا ومنعتنا في هذه المنطقة الإستراتيجية من العالم، يغيب أو يغيب التضامن العربي، تغيب أو تغيب الوحدة في الموقف والرؤى والرؤية حيال قضايانا المصيرية ومصالحنا المشتركة ومصيرنا الواحد”. وأشار إلى أنّ “صورة الحرائق المندلعة في الثوب العربي على تخوم كل أقطارنا تارة بصراعات جهوية وتارة أخرى بنزاعات بينية وأطوارا باحتراب داخلي أهلي بأبعاد طائفية ومذهبية مقيتة، كلها حرائق يؤجج نيرانها الخارج على قاعدة “فرق تسد”.وأكّد برّي أنّه “مخطئ كل الخطأ من يعتقد أن عدم تطويق هذه الحرائق وعلى هذا النحو من الإنتشار السريع في هشيم انقساماتنا وتشظينا على محاور الإنقسام الطائفي والمذهبي والجهوي والمناطقي، يمكن أن يسلم منه قطر من أقطارنا ولا يمكن ان نسلم جميعا”، مبيّنًا أنّها “لحظة، الجميع مدعوون فيها الى التقاط فرصة الإستثمار على الوحدة وعلى صياغة عقد جديد من التضامن والتعاون العربي المشترك في مختلف المجالات خاصة في المجال الأمني في مواجهة أي محاولة لإعادة انتاج المشروع الإرهابي التكفيري بفكره الظلامي التدميري المسيء والمشوه للقيم الإسلامية”.
وذكر أنّ “آخر نموذج لإعادة انتاج هذا المشروع هو ما حصل في الأسبوعين الماضيين في محافظة الحسكة السورية ناهيك عن جملة من العمليات الإرهابية التي استهدفت القوات العراقية في عدد من المحافظات في العراق الشقيق، فضلا عما يتم تسجيله من عمليات تجنيد لعشرات الشبان وتأطيرهم في خلايا من لبنان وغير لبنان خدمة لهذا المشروع الإرهابي المدمر والعابر للحدود”.
وركّز على أنّه “يضاف الى ما تقدم من عناوين، ثمة عناوين أخرى هي دائما من الأهداف الإستراتيجية لعمل الإتحاد البرلماني العربي من بينها موضوع إشراك المرأة في كل ما يصنع حياة الدولة والمجتمع وتعزيز دور الشباب وإعادة إحياء السوق العربية المشتركة التي انشأناها قبل السوق الاوروبية المشتركة، والتنمية المستدامة والعدالة الإجتماعية”.
وجزم بري أنّ “الهدف الإستراتيجي الأسمى، الذي يجب أن يتقدم على كل الأولويات، هو القضية الفلسطينية قضية العرب الأولى، فإذا كانت في ما مضى تستلزم تضامنا عربيا ملحا فهي اليوم وإزاء ما يتهدد أولى القبلتين ومسرى النبي العربي محمد صلى الله عليه وسلم وقبة الصخرة وكنيسة القيامة والمسجد الأقصى من محاولات ومخططات تهويدية وتوسعة لرقع الإستيطان على نحو غير مسبوق، فضلا عما يحصل من حملات إعدام يومي للأطفال وللشبان في مدن ومخيمات الضفة وما يحصل من تجريف للبيوت ومحاولات لا تتوقف للإستيلاء على حي الشيخ جراح وحصار مستمر لقطاع غزة واستمرار للإعتقال التعسفي لعشرات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني من بينهم مئات الأطفال والفتيات والنساء والأخطر والأدهى إجهاض حق الشعب الفلسطيني بالعودة وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، هي اليوم تستلزم تضامنا عربيا استثنائيا ليس على النحو الذي هو حاصل اليوم”.
وأوضح أنّ “مقاييس انتمائنا للعروبة وللإسلام وللمسيحية وللإنسانية هي فلسطين والإنتصار لقضيتها في التحرير والعودة وإقامة الدولة المستقلة وبالتوازي نناشد الأخوة الفلسطينيين على مختلف توجهاتهم الفصائلية الى وجوب تنحية الخلافات جانبا وتصليب الوحدة الفلسطينية باعتبارها حجر الزاوية الذي على أساسه يتحقق الحلم الفلسطيني لا بل الحلم العربي بكل عناوينه الوحدة والمقاومة هما كلمة سر انتصار وتحرير فلسطين”.
وأعلن أنّ “عليه وبناء على ما تقدم، وإستنادا على المبادئ التي ينطلق الإتحاد البرلماني العربي كإرادة برلمانية عربية لدعم وحدة العمل البرلماني العربي في خدمة المجتمع العربي، لتحقيق التقدم والسلام بين الأقطار العربية، وباعتباره صيغة وإطارا عربيا متحررا من ضرورات الحكومات احيانا ومن التزامات الأنظمة، ومعبرا الى حد كبير عن تطلعات الشعوب والمجتمعات في الحرية وتعزيز قيم التضامن والحوار والديموقراطية، أرى أن الإتحاد مدعو الى عدم التلكؤ في صياغة مشروع حقيقي لبناء صيغة تحقق التضامن العربي فعلا لا قولا، ممارسة لا شعارا، من خلال تفعيل الدبلوماسية البرلمانية بكل أشكالها على مختلف المستويات واللجان”.
كما أشار بري إلى أنّ “من موقع تمثيلي البرلماني للشعبة البرلمانية اللبنانية وكدولة مؤسسة لجامعة الدول العربية ومؤسسة للإتحاد البرلماني العربي وعضو أساسي لواضعي شرعة حقوق الإنسان في هيئة الأمم المتحدة وأول ديموقراطية في العالم وأول مدرسة للحقوق وطليعة الدول التي تبنت قضايا العرب وبالرغم من الظروف الراهنة التي تعصف بهذا البلد الذي أحبه العرب كل العرب وأحب العرب كل العرب، بادلوه الوفاء ويبادلهم الوفاء يهمني في الختام أن أؤكد جملة من الثوابت حتى لا يثار الشك حول لبنان واللبنانيين:
أولا: ان لبنان واللبنانيين يفصلهم عن موعد الإنتخابات التشريعية أقل من ثلاثة أشهر سوف نتمسك ومتمسكون بإجراء الإنتخابات وإنجاز هذا الإستحقاق بكل شفافية وبعيدا من أي ضغوط ونرفض رفضا مطلقا أي محاولة لتأجيل هذا الإستحقاق. وعليه ندعو الإتحاد البرلماني العربي الى المشاركة من خلال لجنة يشكلها للإشراف على العملية الإنتخابية.
ثانيا: نؤكد من موقعنا البرلماني والسياسي حرص لبنان على بناء أفضل العلاقات مع أشقائه العرب كل العرب على قواعد الإحترام المتبادل لإستقلال وسيادة الدول وأمنها واستقرارها واستقلالها وحريتها المقدسة.ثالثا: نجدد التأكيد على تمسك لبنان والتزامه بتطبيق واحد من منجزات التضامن العربي وهو اتفاق الطائف كإطار ناظم للعلاقات بين اللبنانيين.
رابعا: نعلن عن دعمنا وتأييدنا لكافة مساعي الحوار القائم بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية برعاية عراقية مشكورة، آملين أن يفضي هذا الحوار الى نتائج إيجابية لما فيه مصلحة البلدين وأكثر ومن خلالهما مصلحة الأمتين العربية والإسلامية وشعوب المنطقة.
خامسا: نعلن دعمنا المطلق لوجوب عودة سوريا الى موقعها ودورها في النظام الرسمي العربي، فالعروبة تبقى منقوصة ومنتقصة من دون سوريا التي كانت وستبقى من حيث الموقع والدور والإستراتيجيا ممرا إلزاميا لتحقيق التضامن العربي وعنصرا إيجابيا فيه”.