كتبت صحيفة الأخبار تقول:
عاد التوتر ليسيطر على البلاد سياسياً واقتصادياً ومعيشياً وأمنياً. محاولة تشكيل الحكومة تعثّرت من جديد. ونصاب المجلس النيابي صار في يد تحالف سياسي يمنع انعقاده أو يعطّله في لحظة، كما حصل أمس في جلسة نقاش الموازنة، وعدم إقرار أيّ تعديلات على رواتب موظفي القطاع العام، ما يعني مزيداً من الاحتجاجات على مستوى الإدارة العامة، وسط انهيار متسارع في قطاعَي التعليم والصحة، وبوادر أزمة جديدة تنتظر عدداً كبيراً من اللبنانيين على أبواب فصل الشتاء. وفوق هذا كله، ضغوط كبيرة لإلزام لبنان التوقيع على اتفاقية ترسيم للحدود البحرية ترضي كيان العدو الإسرائيلي.
صحيح أن الأجهزة الأمنية الرسمية تلجأ دوماً الى التحذير من «مؤامرات» تستهدف الأمن في البلاد، وصحيح أن الفوضى في حالة لبنان قد تقود الى أوضاع غير مرغوبة لا من السلطة ولا من الناس أيضاً، لكن عدم مبادرة السلطة بكل قواها الى تقديم علاجات معقولة يفتح الباب أمام احتمال توسع الاحتجاجات التي تتركز اليوم على إضراب في القطاع العام وغزوات للمصارف بقصد استرداد الودائع بالقوة، وصولاً إلى وضع البلاد أمام اختبارات صعبة في حال توسع التفلّت. إذ لن يكون بمقدور القوى الأمنية من جيش وقوى أمن داخلي وأجهزة أمنية ضبط الوضع.
الوقوف الى جانب أصحاب الحقوق، من المودعين والموظفين وأصحاب المصالح التجارية الصغيرة والمتوسطة، أمر تلقائي من غالبية ساحقة من اللبنانيين المتضررين مما يحصل. لكن القلق الذي يفترض التوقف مليّاً أمامه، مردّه تحذيرات سمعها سياسيون كثر، من «دبلوماسيين وقناصل»، من فوضى كبيرة مقبلة على لبنان، كما تحدّث الأميركيون عن مخاطر عودة للقوى التكفيرية الى أكثر من منطقة لبنانية، فيما تحدث زوار السفارة السعودية عن احتمال حصول انتفاضات شعبية في أكثر من منطقة لبنانية للمطالبة بإنهاء سريع لولاية الرئيس ميشال عون.
ويترافق ذلك مع حملة غير مسبوقة من الخصوم المسيحيين لرئيس الجمهورية وصلت إلى حد توجيه الشتائم كما حصل في الأشرفية قبل أيام، وبعيد خطاب قائد القوات اللبنانية سمير جعجع في معراب، وتلميحات قيادات سياسية ودينية الى أن الوضع لم يعد يحتمل تسويات، وأنه في حال عدم القدرة على فرض تغييرات سياسية كبيرة، فإن الفيدرالية ستكون الشعار الذي يتبعه حكماً المطالبة بحماية دولية في مواجهة… حزب الله. وهذا المنطق يستدعي انهياراً كاملاً لمؤسسات الدولة بما في ذلك القوى الأمنية والعسكرية والأجهزة المعنية بحفظ الأمن وسلطة القضاء أيضاً، وهو ما شهدنا إرهاصاته بقوة في الأسابيع القليلة الماضية.
وكان لافتاً ما تلقّته مرجعيات رسمية رفيعة من تقارير مصدرها الغرب والخليج عن احتمال أن تواجه منطقة شمال لبنان مأساة اجتماعية من خلال موجة اضطرابات تترافق مع عودة مجموعات تكفيرية، لن يكون الجيش اللبناني قادراً على مواجهتها في ظل الانهيار المالي وتأثيراته السلبية على أوضاع العسكريين المعيشية، علماً أن الأجهزة الأمنية الأكثر جدية تنفي الأنباء – بدأها الفرنسيون – التي تحدثت عن عودة آلاف اللبنانيين الذين كانوا يقاتلون الى جانب المجموعات المسلحة في سوريا. وقالت مصادر هذه الأجهزة أن من عادوا قلّة، فيما لا يزال هناك من يغادر إما للهرب الى أوروبا أو للالتحاق بالتنظيمات التكفيرية في العراق أو شمال سوريا.
وإلى ذلك، يمعن الأميركيون في ممارسة كل أنواع الضغط على لبنان. فإلى الرفض المعلن من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول عربية لعودة النازحين السوريين الى بلادهم، أصدر فريق الأمم المتحدة في سوريا، بضغط غربي، تقريراً «يبشّر» بوجود احتمالات قوية لعودة الاضطرابات والصراعات الى سوريا، ما يجعلها غير آمنة لتحقيق عودة سريعة وكثيفة للنازحين السوريين من لبنان.
كل هذه الأجواء تشير إلى أن لبنان مقبل على أيام حرجة، في ظل سعي غربي – خليجي – لبناني لاستثمار الغضب الشعبي في سياق الضغط السياسي على الرئيس عون وعلى حزب الله في ملفَّي الرئاسة والحكومة، الى جانب الملف الاقتصادي والمالي لإجبار لبنان على السير في برنامج الشروط الدولية الخاصة بالوضعين الاقتصادي والمالي.