شيّعت قوى الأمن الدّاخلي وبلدة طيرفلسيه الجنوبية، بعد ظهر يوم الثلاثاء 3-10-2022، رئيس فرع الأمن العسكري في شعبة المعلومات المقدّم ربيع فقيه، الذي توفّي بتاريخ 2-10-2022، بعد صراعٍ مرير مع المرض، وذلك في مأتمٍ مهيب رسمي وشعبي، شارك فيه إلى جانب عائلة الفقيد وأهالي البلدة وفدٌ من الضبّاط ممثلاً المديرية العامّة لقوى الأمن الداخلي برئاسة رئيس وحدة الإدارة المركزية بالوكالة العميد حسين خشفة، وفعاليات دينية وعسكرية واجتماعية، إضافةً إلى عددٍ كبيرٍ من رفاق السلاح والأصدقاء والمحبّين.
وبعد أن سُجّي جثمان الفقيد وتناوب على حراسته ثمانية ضبّاط، وإقامة مراسم تشريفات على وقع لحن الموت، عزفته مجموعة من عناصر موسيقى قوى الأمن، وتقدّمه حملة الأوسمة والأكاليل، كانت كلمة تأبين الفقيد لرئيس شعبة المعلومات العميد خالد حمّود ألقاها رئيس فرع معلومات الجنوب العقيد زاهر عاصي، عدّد فيها مزايا الفقيد وإنجازاته، ولا سيّما على صعيد كشف التفجيرات التي حصلت في عدد من المناطق اللبنانية، وهذا نصّها:
عذراً فنحن في حضرة السهل الممتنع، الربيع الفقيه، أن تعشق هذا الربيع، أن تعيشه، أن يأسرك، أن تتعلم منه، أن تحسده، أن يشعرك غيابه شعور من يفقد بصره فجأة، أن ترفض الفكرة، أن تشعر بالفراغ المميت، أن ترفض رحيله، أن يشعرك صموده بغيرة قاتلة، أن يكسر كل قواعد العلم وينتصر على سرطانه .. أن تكون قريبًا منه، أن تجالسه، أن تناقشه، أن تستمع إليه، أن يشعرك بأنه يتفوق، وعندما تتركه لا يمكنك إلا أن تعيش سحره …… أن تعرفه كما هو……. لهو شيء مختلف تماماً. أنا من عاش هذا الرجل، أنا من لن أنسى ما حييت بأن هذا الرجل الرجل الرجل كان الأمل كان الفرصة كان الآتي من البعد. عذراً ايها السادة، أنا من فقد شقيقه الصغير، أنا من فقد ابنه، أنا من فقد ضابطاً تعلّمت منه الكثير، أجل أنا من تعلّم من الفقيه، أنا الذي لم أعمل وأتعلّم وأشعر بالغيرة من ضابط سواه، أنا وعذراً على تكرار الأنا، أنا الذي لم أعرف ضابطاً بتفرّده وتميّزه واستثنائيّته أبداً.
ولهذا، أيّها الحضور الكريم أُعلن أمامكم أنني أودّع اليوم الربيع الاستثنائي الذي لن يأتي كل عام ببساطة لأنه الاستثنائي بكل معاني الكون.
من يعرف هذا الرجل الرجل عن قرب لا يمكنه، مهما حاول، أن يعيش فكرة رحيله مجرّد الفكرة بأنه لن يراه ويكلّمه ثانيةً، تعذّبه ، تقسو عليه، وفي النهاية لا يُصدّق لا يمكنه أن يستوعب، أن يدرك، أن يصدّق، أن يتخيّل… يرى الدّنيا فارغة… قاسية… يقول في قرارة نفسه لم يعد للدّنيا معنى لم يعُد للحياة مدى…. لم يعُد للطموح سبب. لست مِمَّن يستهوون كَيل المديح والكلام المعسول عند كل رحيل، لكنه رحيل لا يُشبه سِواه. أنا من عَرَفه عن قُرب أنا هو… إنه هو… هو نحن جميعاً.. هو الموجود في عيون، في قلوب في ضمير كل رفاقه، كل من عمل معه، وعندما رحل.. رحلت كل المعاني.. حضرت كل المرارة.
عام ٢٠٠٥، وعندما جاء من كنّا نناديه بالفقيه الملازم الشاب الى شعبة المعلومات … لم أكن أو أحد سواي يتوقع منه شيئاً ولأكون أكثر صدقاً.. كل من عاصر تلك الفترة لم يكن يجرؤ على أن يراهن على ذلك الضابط الذي كان مصرّاً على أن يغير القواعد أن يقلب أن يؤسّس لمنهجية عمل أمني تضاهي أكثر دول العالم تقدماً واحترافية المفاهيم..
صدّقوني هذا ليس مجرد مديح لرجل رحل، لإنسان ترك اثراً في قلب كل من عرفه، كل من أحبّه، كل من كرهه، كل من حقد عليه، إنه ما حصل وما كان ولن يتسنى لأحد تجاهله أو التنكّر له.. لكنّه وحتى آخر لحظة من حياته أثار الرهبة … آثار العجب.. آثار الدنيا. لم يكن أحد في عالم الأمن يتوقع أن يستطيع ما استطاعه، وهنا لا مجال للعواطف، لا مجال للتحيّز فنحن أمام وقائع .. نحن أمام إنجازات لن يمحوها كلام ولن يستطيع أحد أن يتجاهلها … أجل إنه الذي أسّس وبنى لوطنه وليس لنفسه. عندما نستعرض إنجازاته لا نعرف من أين نبدأ، وهي لم تتوقف.. هو الذي لم يفعل شيئاً لنفسه، إنه الذي ابتدع منظومته الخاصّة، استطاع أن يفرض نفسه.. حقّق إنجازات حمت الوطن، بصمته موجودة في كل عمل وإنجاز على مدى عشرين سنة من دون أن يأبَه لمن ستُسَجّل هذه الإنجازات.
أيها الحضور الكريم، سأسمّي لكم ربيع فقيه بإنجازاته إنه ربيع انفجار عين علق، إنه ربيع تفجيرات طرابلس، إنه ربيع كل إنجاز تحقّق.. كان كالبلدوزر الذي لا يخيفه تهديد من هنا أو وعيد من هناك…
یا حبيبي… إعجازك كان بأنك استطعت أن تعمل وتحقّق إنجازات أنقذت الوطن في أكثر من محطّة، أجل أيها الاستثنائي لم تؤسّس لنفسك … لم تبنِ لشخصك.. بل بنيت لوطنك. لن أقول المزيد… أنت المزيد.. أنت الإضافة… أنت الاستثناء.. أنت الذي لن نستوعب بأنك لم تعد موجوداً… أنت الذي غبت من دون إنذار.. هكذا يكون الغياب لرجل تليق به الحياة.
وقد أقيمت الصلاة على جثمان الشهيد، ليُوارى بعدها في الثرى في جبّانة البلدة.
كما قام المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان بتقديم التعازي لعائلة الفقيد في منزل والده في طيرفلسيه، مواسياً بمصابهم الأليم، مؤكّداً أن غياب المقدّم فقيه هي خسارة لمؤسّسة قوى الأمن الداخلي ولكل الوطن.