أكّد مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، في إفتتاحية العدد الجديد من مجلة الأمن العام الصادرة اليوم الخميس، تحت عنوان “القلق صار خطراً” أن “ما يحصل طبيعي جداً بسبب الإدارة السيئة للنظام الذي إرتضيناه”.
وأشار ابراهيم في مقاله إلى أن “من أسباب ما نزل بالبلد هو تفرق اللبنانيين وابتعادهم عن الهوية الوطنية الجامعة والذهاب إلى هويات طائفية ومذهبية ومناطقية”، مضيفاً أن “التنازع المستمر والمتواصل بأشكال مختلفة بين اللبنانيين يزيد لبنان تصدعاً واهتراء “.
واعتبر أن “ما يبعث على القلق هو انه، فوق الإنهيار، تنبعث دعوات تقسيمية أو إنفصالية بأنظمة حكم تعتمدها بعض الدول، على غرار الفيديرالية واللامركزية السياسية”.
وفيما يلي نعرض لكم مقال اللواء عباس إبراهيم كاملاً:
كل ما كان قلقاً ويبعث على الريبة، صار خطراً حقيقياً يلف لبنان واللبنانيين، هو واقع مرير بحيث لم يتبق شيء يمكن الركون إليه، أو الإستناد إليه للنهوض مجدداً، خصوصا في ظل حالة التشظي التي أصابت اللبنانيين، وحولتهم الى فرق وجماعات كل منها تدعي ميزة تفاضلية، بينما الحقيقة ان كل السقطات اخذت معها الجميع بلا استثناء، لأن ما حصل ويحصل هو أمر طبيعي جداً بسبب الإدارة السيئة للنظام الذي ارتضيناه.
هذا القول فيه شيء من الصحة والصواب السياسيين،لكن ما نزل بالبلد واهله، من بين اسبابه المؤلمة هو تفرق اللبنانيين وابتعادهم عن الهوية الوطنية الجامعة، والذهاب إلى هويات طائفية ومذهبية وحتى مناطقية. وبدل ان يستفيد المسؤولون واللبنانيون من التجارب التي خبروها، غالبيتهم ينكرون ما علمتهم اياه سنوات الحرب بالدم والقتل والخطف والتهجير القرسي والطوعي.
اختبار اللبنانيين للاهوال التي مروا بها منذ العام 1975 ، لم يفدهم بشيء، لا في عملية تحصين وطنهم وصون امنه واستقراره السياسي والإقتصادي والإجتماعي، ولا في اعادة
نسج علاقات طبيعية ومحترمة مع الدول العربية والصديقة التي تستنكف حتى هذه الساعة عن الوقوف إلى جانبهم لمساعدتهم على النهوض من هذا الإنهيار واستعادة العافية
للوطن. خيارات القوى الخارجية مهما كانت يبقى شأنها. وما يزيد لبنان تصدعا واهتراء هو هذا التنازع المستمر والمتواصل بأشكال مختلفة بين اللبنانيين، والذي يكرر مراحل سيرته الأولى بلا هوادة وبلا ضوابط وبلا بصيرة.
ما يبعث على القلق هو انه، فوق الإنهيار، تنبعث دعوات تقسيمية أو إنفصالية بأنظمة حكم تعتمدها بعض الدول، على غرار الفيديرالية واللامركزية السياسية، بدعوى السعي إلى عيش مستقر. علماً ان المواضيع الخلافية بين اللبنانيين راهناً هي كنت وصلب النقاش في هذا النوع من الأنظمة المقترحة، والتي تنهض على ثلاثية السياسات الدفاعية والمالية والخارجية. وهذا الثلاثية لا يمكن مقاربتها في هذه الظروف الراهنة.
طرح خيارات بديلة من النظام القائم في لبنان، والمبنية على دعوات في مواجهة الوحدة الجغرافية اللبنانية والعيش الأهلي بين ابنائه، يستدعي التحسب من جنون هذه النزعات في بلد لا يحتمل مثل هذه الأمور. فالذين يطرحون هذه المسائل يغامرون بلبنان كله وبذواتهم، فضلاً عن انه ينم عن جهل عميق للبعدين الطائفي والوطني الذين تمت على اساسهما
قيامة لبنان الكبير. ذلك، أن أي نظام جغرافي ـ دميغرافي اخر، يتطلب مركزية الدولة في المسائل الدفاعية والعلاقات الديبلوماسية وبناء السياسات العامة، مع قدرة حاسمة على
فرض قوانين مشتركة في الأمور المالية والضريبية المعقدة. ولطالما ان لا شيء من ذلك عند الدولة اللبنانية قائم حالياً، فإن هذه الدعوات، وفي هذا التوقيت، لا تعني غير صورة من صور التقسيم الذي خبرناه في سنوات الحرب المريرة بالدم والقهر يوم انفجر لبنان وعجز اللبنانيون عن التفاهم. في الماضي البعيد جربنا نظام القامئقاميتين وكانت التجربة ان فشلنا في تقسيم المقسم وإدارته. أما في القريب منه فإن “كانتونات” الحرب انفجرت على بعضها وفي داخلها واتت على اهلها وابنائها.
هذا البلد نهض على العيش المشترك بما هو فرادة سياسية اجتماعية دفعت بالبابا يوحنا بولس الثاني إلى القول بأن “لبنان رسالة”. وهو كذلك، اذا ما تمت عقلنة الخطابات السياسية وجعل المؤسسات الدستورية والسياسية دوائر حوار جدي وفاعل. من لا يريد الوحدة، فليخرج على الدستور ويعلن رأيه في ما نصت عليه مقدمة وثيقة الوفاق الوطني التي تقول لا تجزئة ولا توطين ولا تقسيم.