الاهتمام الاميركي بلبنان يعود الى نحو اكثر من سبعة عقود، اذ ادخلته واشنطن في مشاريعها للمنطقة، واستخدمته لمصاحلها الجيو ـ سياسية، ووضعته من ضمن اهدافها، فالحقته في منتصف خمسينات القرن الماضي بمشروع الرئيس الاميركي الاسبق دوايت ايزنهاور، الذي اتبعه “بحلف بغداد” الذي كانت ايران في زمن الشاه رضا يهوي احدى ركائزه، وكانت الولايات المتحدة تعتبرها احدى ابرز دول الشرق الاوسط الحليف لها. فتماهى رئيس الجمهورية كميل شمعون مع المشروع الاميركي لمحاربة الشيوعية، وضم لبنان اليه الذي خلق ازمة داخلية تحولت الى “ثورة” قادها سياسيون مناهضون لشمعون، ويسيرون مع حركة الرئيس المصري جمال عبد الناصر لتحقيق الوحدة العربية، ثم تتالت المشاريع الاميركية للمنطقة، ولم يغب لبنان عنها وما زال، وكان آخرها مشروع “الشرق الاوسط الكبير” الذي قدمه الرئيس الاميركي الاسبق جورج بوش الابن، ودعا من خلاله الى قيام “الثورات الملونة” في العالم لاقامة “الديموقراطية”، فبدأ تنفيذ مشروعه في اوكرانيا عام 2004، ثم في لبنان بـ”ثورة الارز” في العام 2005، واستكمل في 17 تشرين الاول 2019.
لبنان يحتل مكانة في سياسة اميركا في المنطقة، وتعتبره احدى قواعدها السياسية، وعندما تحتاج الى القوة العسكرية تأتي ببوارجها، وهذا ما حصل مرتين في العام 1958 والعام 1982 اثر الغزو الاسرائيلي للبنان صيف 1982، فلم تغب واشنطن عن اي استحقاق رئاسي في لبنان، فهي صانعة رؤساء الجمهورية فيه، او شريكة مع دول اخرى، وهذا ما تعمل له في الانتخابات الرئاسية المؤجلة منذ اول ايلول 2022، لعدم انتخاب مجلس النواب رئيساً للجمهورية بعد 12 جلسة، وتوقف انعقاد المجلس لانتخاب رئيس للجمهورية منذ 14 حزيران الماضي.
ولا يتوقف الموفدون الاميركيون عن الحضور الى لبنان، ولا سفراء اميركا فيه عن الحركة السياسية الدائمة، وكان آخر القادمين نائب مساعد وزير الخارجية الاميركي في مكتب شؤون الشرق الادنى المعني بملف بلاد الشام ايثان غولدريتش، الذي جمعت له السفيرة الاميركية في لبنان ليزا جونسون عدداً من النواب، غالبيتهم من الذين يسمون انفسهم معارضة او “سياديون”، وتعتبرهم واشنطن حلفاء لها في لبنان، وهم: غسان حاصباني، الياس حنكش، مارك ضو، وضاح الصادق، بولا يعقوبيان، فؤاد مخزومي وميشال معوض، وحضر النائب الدكتور فادي علامة بصفته رئيساً للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، حيث اراد الموفد الاميركي، وهو خبير في شؤون لبنان وسوريا والاردن، ان يستمع الى آراء واقتراحات من النواب الذين حضروا. فكان اكثر استماعاً منه متكلماً، ورد على اسئلة وفق ما كشفت مصادر لنواب شاركوا في اللقاء، حيث تمحورت حول ما يجري في غزة، واحتل الجنوب والمواجهات العسكرية فيه البند الاساسي في الاحاديث التي دارت، فركز نواب يمثلون “القوات اللبنانية” و”الكتائب” وقوى ما يسمى “التغيير”، على ان اكثرية اللبنانيين يرفضون تفرد حزب الله بقرار الحرب والسلم من خارج الدولة وامتلاكه السلاح، لا سيما المتطور منه، وهو فتح جبهة الجنوب منفرداً مساندة لغزة دون قرار من السلطة اللبنانية، وهو مستمر يواجه وحيداً، وورط لبنان في معركة لا يريد خوضها، حيث تفهّم الموفد الاميركي ما عبّر عنه هؤلاء النواب، الذين يلتقون مع التوجه الاميركي، ويدعمون دورها في تنفيذ القرار 1701 وسائر القرارات، لا سيما 1559 الذي ينزع سلاح الميليشيات، وتحديداً حزب الله.
ودعا النواب الى استمرار مهمة المبعوث الاميركي آموس هوكشتاين في تهدئة الوضع في الجنوب، كي لا تتوسع الحرب الى كل لبنان، فوافقهم الرأي غولدريتش الذي اكد ان سياسة بلاده، هي وقف الحرب في غزة ولبنان والمنطقة كلها، وهي تدعم حل الدولتين في الصراع بين “الاسرائيلي” والفلسطيني، والوصول الى سلام مستدام.
وفي موضوع رئاسة الجمهورية جرى التأكيد على ضرورة انهاء الشغور فيها، وهو ما وافق عليه الموفد الاميركي، الذي رأى في زيارته النائب فادي علامة لـ”الديار” بانها استطلاعية، وهو حضر اللقاء بصفته رئيساً للجنة الشؤون الخارجية، وقدم وجهة نظره حول المواضيع التي طرحت، والثوابت التي تنطلق منها “كتلة التحرير والتنمية” التي يرأسها الرئيس بري وهو ينتمي اليها، حيث اكد على ضرورة الحوار واهميته، وهذا نهج بري، وضرورة توافق اللبنانيين على حل ازماتهم بالحوار، الذي كان سبيلهم في انهاء ازماتهم، ومساعدة الاصدقاء، وان الخروج عنه والتمترس خلف المواقف والوصول الى التشنج فالصدام والاقتتال، يضر بلبنان وشعبه.
وشرح علامة للموفد الاميركي ما يجري في الجنوب، مستعرضاً ما عاشه اهله على مدى عقود منذ نشوء الكيان الصهيوني، وان المقاومة ظهرت رداً على الاحتلال الاسرائيلي، وان لبنان هو من يطلب تطبيق القرار 1701 الذي يخرقه العدو الاسرائيلي، وهذا ما ابلغه الرئيس بري للموفد هوكشتين.
وفي اللقاء سأل غولدريتش عن الوضع المالي والاقتصادي والازمة التي يمر بها لبنان، والاصلاحات التي تحققت، لا سيما من تلك التي اقترحها صندوق النقد الدولي، حيث شدد الموفد الاميركي على ضرورة السير بخطة الصندوق، كما نقل علامة، الذي اشار بان غولدريتش لم يقترح جديداً، ولم نسمع منه ما لم ينقله موفدون اميركيون سابقون.
فاللقاء الذي ارادته السفيرة جونسون، كان للتعاون وتبادل الآراء، وهي اكدت انها ما زالت في “اللجنة الخماسية” المعنية بالشأن اللبناني، وتحديداً ملف رئاسة الجمهورية وتتكامل مع اعضاء اللجنة، وفق ما نقل علامة عنها.
شاهد أيضاً
”لن أترك خلدة“… أرسلان لـmtv: لا تواصل مع “الحزب”
شدد رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال أرسلان على أن “قدرنا في خلدة وفي كلّ الأحداث …