علي شهاب
من المؤكد أن ما يشهده العراق ولبنان، على الرغم من أحقية الحراك المطلبي، قد دخل مرحلة التسييس المعلن مع الأحداث العابرة التي شهدتها شوارع إيران، والتي سرعان ما نجح المسؤولون الإيرانيون في احتوائها، في مؤشر على معرفة مسبقة بالسياق العام لخيارات المحور المقابل في هذه المرحلة في المنطقة.
اتصالات روسية فرنسية مشجعة: لا مصلحة دولية في انهيار لبنان.. و إن انهار!
مرّ خبر ارتفاع سعر السندات اللبنانية بالدولار في الساعات القليلة الأخيرة مرور الكرام.
ربط بعض الاقتصاديين الموضوع بتصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب باستعداد الولايات المتحدة للعمل مع حكومة لبنانية جديدة. يُدرك الضالعون في السياسة الدولية و صُنّاع القرار أن ارتفاع قيمة السندات في توقيت كهذا لا يتم من دون موافقة دولية، وأنه إشارة محددة إلى جهات داخلية في لبنان.
في الواقع، شهدت الأيام القليلة الماضية، حراكًا دوليًا جادًا على خط الأزمة اللبنانية، بل قُل “المسألة اللبنانية”، ذلك أنّ النقاش بات في مستقبل التركيبة اللبنانية لا في أزمتها الراهنة فقط.
بعد مرور أكثر من 38 يومًا على الحراك الشعبي، يفرض العامل الاقتصادي نفسه على حسابات جميع الأطراف المعنية محليًا ودوليًا. الجولة الميدانية بين المناطق اللبنانية تُبرز مشهدية ستكون شديدة التأثير في الأيام المقبلة في حال استمرار الإخفاق السياسي في اشتراح الحلول، ففي حين تظهر بوضوح تبعات الأزمة الاقتصادية شمالا وفي الوسط، فإن ضاحية بيروت الجنوبية وجنوب لبنان يشهدان استقرارًا ملحوظًا سببه قيام الجهة السياسية النافذة في هاتين المنطقتين؛ أي حزب الله، بإتخاذ خطوات غير ملحوظة لضمان سير الحياة بشكل شبه طبيعي.
من المؤكد أن ما يشهده العراق ولبنان، على الرغم من أحقية الحراك المطلبي، قد دخل مرحلة التسييس المعلن مع الأحداث العابرة التي شهدتها شوارع إيران، والتي سرعان ما نجح المسؤولون الإيرانيون في احتوائها، في مؤشر على معرفة مسبقة بالسياق العام لخيارات المحور المقابل في هذه المرحلة في المنطقة.
لكن ما يهمنا من المشهد اللبناني الشديد التعقيد هي مؤشرات ومعطيات ترسم معالم مسار الأحداث على المدى البعيد.
كان لافتًا عودة معظم القنوات الإعلامية اللبنانية إلى شبكة برامجها المعتادة والاكتفاء بالنقل المباشر بين البرامج المعتادة عند الحاجة. بغض النظر عما اذا كان ذلك نتيجةً لقرار أم أنه انعكاس لنبض الشارع، فإن الإعلام اللبناني يعكس أيضًا نبض الاتصالات السياسية. وغاب أهل الحراك المستقلين عن المنابر الإعلامية لصالح وجوه أكثر ارتباطا برؤى سياسية.
في هذه الاثناء، كانت الاتصالات الاميركية – الفرنسية وتلك الروسية – الفرنسية قد بدأت في بلورة أفكار معقولة. بالنسبة للموقف الأميركية، ليس لبنان في صدارة الأولويات بالتأكيد، ومن يتولى متابعة الملف اللبناني في واشنطن هم شخصيات معروفة باهتمامها بلبنان من منطلق شخصي. ولعلّ ما نُقل عن “دايفيد شينكر” من باريس عن تقدم الفرنسيين في لبنان والتسليم بقدرتهم على التواصل مع مختلف الأفرقاء يعكس حقيقة الموقف الأميركي غير القادر على أن يقدم حلًا في ظل خصامه السياسي مع شريحة واسعة من اللبنانيين، ونظرة هذه الشريحة بريبة إلى أي مقترح أميركي. في حين أن هذه الشريحة نفسها لا تجد إشكالية في استقبال الموفدين الفرنسيين وتبادل الآراء معهم، وإن كان الموقف الفرنسي ليس مجانيًا بطبيعة الحال، وهو ينطلق من مصلحة فرنسية خالصة، ولكنه يبقى أقل حدة من أي موقف دولي أخر.
وفي هذا السياق، لا يرفض الفرنسيون فكرة حكومة ينخرط فيها حزب الله، وهو ما يتقاطع مع الموقف الروسي أيضًا الحاضر بفعالية، إثر اتصالات بين موسكو وطهران، مدفوعة بحرص روسي على مشاريع الغاز قبالة السواحل اللبنانية والسورية. وهو ما يتطلب استقراراً في لبنان.
ما الذي يفسّر تمسّك الرئيس سعد الحريري بموقفه إذا؟ لدى الحريري اعتبارات ترتبط بحسابات شعبية بعد أن اخترق الحراك بعمق الشرائح المناصرة له، خاصة في طرابلس وبيروت. كما أن الموقف السعودي – الإماراتي من مشاركة حزب الله في الحكومة لا يزال على حاله بالرفض الكامل. وبالتالي فإن أي حل دولي قد لا يعني بالضرورة انخراط الحريري شخصياً به، وإن كان من الطبيعي أن يشمل تياره.
هل يعني هذا أن الحل بات قريباً؟ الجواب هو لا.
قد لا يكن اللاعبون الدوليون قادرين على اللحاق بقطار الانهيار الاقتصادي في لبنان. وهذا الانهيار المرتقب هو سبب إطالة الأزمة في المرحلة المقبلة، لكن الغطاء الدولي يظلّ عاملاً هامًا في ضبط الأمور والبناء عليه لتحقيق تسوية واسعة تجيب على مطالب الحراك المحقة، و تشمل إجراء انتخابات نيابية مبكرة بعد الاتفاق على حكومة مؤقتة.
المصدر : الميادين نت