تحت عنوان تأليف الحكومة… في مهبّ الريح!، كتبت “الراي”: بدا لبنان «مشدود الأعصاب» عشية اثنين الاستشارات النيابية المُلْزِمة لتسمية الرئيس الذي سيُكَلَّف تأليف الحكومة الجديدة، وسط ضبابيةٍ كبيرة تحوط مجمل مسارِ استيلادِ تشكيلةٍ يقع على عاتقها توفير «ممرٍّ آمن» لإخراج البلاد من أعتى أزمة مالية – اقتصادية – اجتماعية تضربها منذ الحرب العالمية الأولى.
وإذ تَقاطعتْ المعطيات أمس عند «صمود» استشارات الاثنين في موعدها ما لم تقع مفاجآت غير محسوبة، فإن خياراتِ التكليفِ التي باتت محصورةً برئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري، لم تُسْقِط أن هذا التكليف صار محاصَراً، ومبكراً، بخياراتِ تأليفٍ مفتوحة على شروط وشروط مضادة من ضمن ربْط النزاع الذي بدأ عشية الاستشارات عبر «جدرانٍ» من لاءاتٍ تشي بالحاجة إلى «كاسحة ألغام» للقفز فوقها أو أقلّه تدوير زواياها، وهي:
* رفْض «التيار الوطني الحر» المشاركة في أي حكومةٍ تكنو – سياسية يترأسها الحريري ودعوته إلى حكومة اختصاصيين «من رأسها إلى وزرائها» تعيّنهم الأحزاب، وهو الموقف الذي اعتُبر رداً على إصرار زعيم «تيار المستقبل» (الحريري) على عدم مشاركة رئيس «الوطني الحر» جبران باسيل في أي حكومة يترأسها أو يغطّيها.
* تَمَسُّك «حزب الله» كما جاء على لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله الجمعة، بحكومة شراكةٍ (تكنو – سياسية) تحت عنوان مقتضيات «المصالح والمخاطر» برئاسة الحريري أو مَن يوافق عليه الأخير شرط أن يشارك «المستقبل» في أي حكومةٍ لا يقودها زعيمه.
* إصرار رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، على حكومةٍ تكنو – سياسية مع تأكيد قريبين منه أنه لن يشارك عبر وزراء يمثّلونه في أي حكومة تكنوقراط غير مطعّمة بسياسيين، وذلك بعدما كان نُقل عنه أنه لن تكون هناك حصة لا للتيار الحر ولا للرئيس في حكومة يترأسها الحريري.
وفيما يذهب الحريري إلى «اثنين التكليف» بعنوانٍ معلَن هو تشكيلة اختصاصيين مستقلين، فإن حجم الاستقطاب حول شكل الحكومة يعني أن زعيم «المستقبل» يتجه نحو «حقل أفخاخ» يبدأ بالتكليف ومآلاته وقد لا ينتهي بالتأليف وصعوباته.
ورغم الاقتناع بأن إصرار «حزب الله» على حكومةٍ برئاسة الحريري لاعتبارات داخلية وخارجية سيضبط «الإحراجات المتعمّدة» لزعيم «المستقبل»، فإن علامات استفهام بدأت تُطرح حول إذا كان زعيم «المستقبل» يمكن أن يرفض «تكليفاً مفخَّخاً» يزيدُ من تعقيداته أن حتى «الخيار الوسطي» الذي كان لمّح إليه رئيس البرلمان نبيه بري والقائم على حكومة تكنوقراط تتمثّل فيها قوى سياسية بوزراء «لايت» لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة دونه كيفية تجاوُز مضيّ «التيار الحر» (صاحب أكبر كتلة برلمانية) في معارضته لها، وهو السيناريو الذي سيعني أن البلاد تقف على عتبة مرحلةٍ ستدفعها أكثر نحو «السقوط المريع» عوض أن يكون عنوانها توفير «هبوط آمن» وأرضية لـ «السقوط المريح».
وانطلاقاً من هنا، ترى الأوساط السياسية أنه بحال مرّ اثنين الاستشارات ورسى على تكليف الحريري، فإن التأليف المؤجَّل وسيكون مفتوحاً على عملية «إنهاكٍ» متبادلة قد تمتدّ لأسابيع أو أشهر لاقتياد الجميع إلى حكومة أفضل الممكن، علماً أن هذه المدة تحدّث عنها أمس وزير «حزب الله» في حكومة تصريف الأعمال محمود قماطي الذي قال إن «المدة التي ستأخذها فترة التأليف قد تكون أشهراً وربما أسابيع ومهمة التأليف لن تكون سهلة لأن هناك الكثير من الأمور التي تحتاج للحوار أولها مشاركة (التيار الحر) ونسب التمثيل وتمثيل الحِراك والحقائب».
وووسط بدء عمليات حسابية «على الورقة والقلم» للأرقام التي يرجّح أن ينالها الحريري في استشارات الغد (محسوم تصويت كتل بري ووليد جنبلاط مع ترجيحِ تصويت «القوات اللبنانية» له وكتل صغيرة أخرى، وترجيح أن يترك «حزب الله» الذي لن يصوّت للحريري الحرية لحلفائه) على أن تعقد غالبية الكتل اجتماعات اليوم وغداً لتحديد خياراتها رسمياً، عاودت مصادر قريبة من عون التأكيد ان الاستشارات في موعدها، وأن رئيس الجمهورية يدْعم حكومة تكنو – سياسية يمكنها توفير غطاء للقرارات الموجعة التي لا بد منها للخروج من الأزمة المالية.
وفي موازاة ذلك، توقفت أوساط سياسية باهتمام عند الدخول الأميركي المتجدّد على الواقع اللبناني عبر تطوريْن:* الأوّل العقوبات الجديدة التي أعلنتْها وزارة الخزانة الاميركية على لبنانيين و«كيانات» وشركات لبنانية لارتباطهم بـ «حزب الله» وتمويله. وإلى جانب كل من ناظم سعيد أحمد (أحمد) وصالح عاصي، فإن البارز كان أول استهداف عقابي من خارج البيئة الشيعية الداعمة لـ «حزب الله» والذي شمل المحاسِب طوني صعب (المسيحي) «المقيم في لبنان والذي يعمل مع صالح عاصي».
* والثاني تصريحات مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر الذي اعتبر أنه «لن تكون هناك أي مساعدات مالية من المجتمع الدولي للبنان إلّا اذا تألفت حكومة ملتزمة الاصلاح»، مشدداً على ان «التوقعات للبنان رهيبة. واذا لم تتوافر العملات الأجنبية سيكون من الصعب على لبنان أن يشتري الادوية من الغرب (…)».
وجاءت مواقف شينكر عشية زيارة سيقوم بها مساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية ديفيد هيل لبيروت، وهي الأولى لمسؤول أميركي منذ بدء تظاهرات 17 أكتوبر.
أمنياً، شهد وسط بيروت مساء أمس مواجهات بين القوى الأمنية ومجموعات من مناصري حركة «أمل» و»حزب الله» حاولوا اقتحام ساحتيْ الشهداء ورياض الصلح.
وبدأت المواجهات مع إقدام مناصري الحزب والحركة، على إشعالٍ لافتات اعلانية على الطريق المؤدية من بشارة الخوري الى وسط بيروت، قبل أن يحاولوا الاعتداء على الخيم في ساحة الشهداء، إلا أن عناصر من شرطة مكافحة الشغب منعتْهم فانكفأوا نحو الخندق الغميق وزقاق البلاط.
وتبع ذلك عمليات كرّ وفرّ وصِدامات بعدما رمى الشبان الحجارة والمفرقعات النارية على القوى الأمنية قرب جسر الرينغ ما أدى إلى جرْح رجليْ أمن، قبل أن تطلق عناصر مكافحة الشغب القنابل المسيلة للدموع لإبعادهم.
وفيما أعلنت قوى الأمن الداخلي «أن عناصر مكافحة الشغب تتعرض لاعتداءات ورمي حجارة ومفرقعات نارية من بعض الاشخاص ولذلك نطلب وقف هذه الاعتداءات وإلا سنضطر لاتخاذ اجراءات اضافية وأكثر حزماً»، صدرت دعوات بمكبرات الصوت من داخل الخندق الغميق للشبان بضرورة الانسحاب وعدم الاشتباك مع القوى الأمنية.