بينما كان أغلب الظن أن تشكيل الحكومة لا يزال بعيداً، خرجت إلى العلن أمس اجواء تفاؤل بقرب ولادة للحكومة العتيدة في غضون ساعات أو أيام قليلة. غير أن الوقائع في وادٍ والأمنيات في وادٍ، يفصل بينهما جملة عقد لا تزال تعتري التشكيل، تتمحور حول الخلاف على الحصص وتوزيع الوزارات الذي لم يكن قد حسم بعد، ومسألة تمثيل الحراك. هذا فضلاً عن التمثيل السني والذي يشكل عقدة العقد، وإصرار “المردة” على حقيبة الأشغال، يقابله اصرار “التيار الوطني الحر” على اعادة توزير ندى البستاني في الطاقة، وعدم حسم حقيبة الخارجية.
ومن العقد أيضاً، تفضيل الثنائي الشيعي حكومة من 24 وزيراً بدل 18 وزيراً، وإصرار بري على اعادة توزير حسن اللقيس قابله إصرار “حزب الله” على توزير جميل جبق مجدداً، فضلاً عن تجنب استفزاز رئيس الحزب “الاشتراكي” وليد جنبلاط في الاسم الدرزي المقترح ومحاولة الموازنة بين ارضاء الوزير طلال إرسلان وعدم استفزاز جنبلاط.
18 وزيراً بينهم ست وزيرات
وقالت مصادر مواكبة للتأليف أن عدداً من العثرات تم تذليلها في الاتصالات التي يتولاها الخليلان مع الرئيس المكلف، كاشفة أن هيكل الحكومة صار معروفاً وهي حكومة مؤلفة من ثمانية عشر وزيراً بينهم ست وزيرات.
وحُسمت الحقائب مبدئياً، المالية للشيعة والخارجية لدميانوس قطار. وباقي القوى السياسية التي تريد أن تعطي الثقة إما أنها سمت أو هي في طور تسمية وزرائها.
وصار توقيع الاسماء على الحقائب شبه جاهز والامور ناضجة في إطارها الداخلي، وخارجياً لا توجد معارضة دولية لإنطلاقة الحكومة وفق ما بات واضحاً. وفي هذا الإطار، أفادت معلومات موثوقة أن الرئيس المكلف تلقى رسالة دعم سعودية مشروطة بشكل الحكومة، لذلك يصر على تشكيل حكومة تكنوقراط خالية من أي اسم لوزير كان في الحكومات السابقة، ويصر على اختيار أسماء غير مستفزة محاولاً قدر المستطاع إختيار وزراء حكومته من السلكين القضائي والعسكري والاستعانة بضباط متقاعدين.
وبناء لمعطيات مصادر اطلعت على مسودة التشكيلة فقد حسمت شيعياً بأربعة وزراء لـ”حزب الله” و”امل”: شباب ورياضة، وصحة لـ”حزب الله” ومالية (غازي وزني لا يزال الأوفر حظاً)، وصناعة وزراعة لـ”أمل”. “الداخلية” للسنة مع وزير من عكار المرجح أن يشغلها باسم خالد (من بلدة مشتى حسن)، أو زياد عرابي من بلدة كترمايا.
وفي الحكومة الجديدة ثلاث حقائب لكل من “المردة” و”القومي” و”الطشناق”، فيما يتم النقاش بشأن بقية المقاعد المسيحية مع “الوطني الحر”، ويصر الرئيس المكلف على الاحتفاظ بوزير مسيحي من ضمن حصته.
حصة الدروز يجري العمل على حلحلتها لاختيار وزير بتنسيق غير مباشر مع جنبلاط يتولاه رئيس مجلس النواب نبيه بري كإصرار على عدم استفزازه، والوقوف على خاطر إرسلان. وتردد انه تم الاتصال بالوزير السابق زياد بارود لحقيبة العدل.
اجواء الرئيس المكلف
ينقل مقربون ان دياب على عجلة من أمره لإنجاز تشكيلته الحكومية في الايام الاولى من العام الجديد كحد اقصى اذا لم يكن قبلها. وفي يده ما يشبه مسودة اولى لحكومة يتشاور بشأنها مع رئيس الجمهورية. وفي تصور دياب انه حين ينجح في وضع خطة اقتصادية ويتم الحرص على المال العام في الدولة فتلك اولى خطوات الانقاذ. وفي ذهن رئيس الجمهورية كما الرئيس المكلف ان مستقبل الحكومة سيحمل شكلاً من أشكال الاحتضان الدولي والاقليمي للحكومة بمجرد ان تبصر حكومة التكنوقراط النور.
وفق المحيطين بالرئيس المكلف فقد انتقلنا الى لحظة جدية بالتغيير ولو كان بطيئاً. وهو يبدو صلباً ومدركاً تماماً لهدف حكومته العتيدة ولذا فإنه يرفض بالمطلق اعادة توزير الاسماء القديمة في حكومته، وفي تقديرهؤلاء ان التشكيلة التي يعدها ستكون مفاجئة في الأسماء التي ستضمها خصوصاً على المستوى السني.
في المقابل، أكدت مصادر مقربة من رئيس الجمهورية أن التركيبة الحكومية باتت في عهدة الرئيس المكلف، متحدثة عن لمسات أخيرة يفترض ان يتفق بشأنها مع رئيس الجمهورية في غضون اليوم والغد ومن بينها ما يتعلق بحصة رئاسة الحكومة وبعض أسماء الوزراء وتوزيع عدد من الحقائب.
لكن كل ما تقدم لم يلغ وجود عقدة اصطلح على تسميتها البعض”عقدة جبران”. وبينما يصر الرئيس المكلف على عدم توزير اي وزير من الحكومة الماضية وان تعرض اسماء الوزراء عليه للوقوف على رأيه بشأنها، لا أن يحسم امر توزيرها ويتبلغ بشأنها، يصطدم تصوره للحكومة بتعاطي الوزير باسيل بعقلية مختلفة مع تسمية وزراء “الوطني الحر”، والتمسك بعودة وزراء في الحكومة السابقة.
ما لا يأخذه باسيل في الاعتبار ان الحكومة المقبلة ستكون انتقالية، وهو يبدو من خلال تعاطيه وكأنه لم يستفد من تجارب السنوات الماضية وصولاً الى الواقع الراهن وبأنه لا بد ان يحدث تغييراً او تحولاً ما في طريقة الاداء والتعاطي السياسي لا سيما على مستوى تشكيل الحكومة.
غير أن مصادر “الوطني الحر”، قالت: “لا يوجد اي نقاش على حصص وزارية مع الرئيس المكلّف، ولا نتمسّك اصلاً بوجودنا في الحكومة ولا نفرض احداً والتشاور معنا ككتلة نيابية امر طبيعي ولكن التأليف صلاحية محصورة بالرئيس المكلّف بالتشاور مع رئيس الجمهورية”.
وازاء كل ما تقدم يحاول “حزب الله” تدوير الزوايا من باب اصراره على تشكيل الحكومة في اقرب وقت ممكن، ولا يبدو مصراً على أي مطلب فإذا كانت الحكومة ستتشكل من شخصيات جديدة فهو لن يتفرد بالإصرار على توزير جميل جبق
غادة حلاوي – نداء الوطن