“الراي الكويتية”:
لم تخرج بيروت من تحت تأثير «الضربة على الرأس» التي تلقّتْها مع العودة الصادمة لفيروس كورونا المستجد الذي «جدّد دمه» بعدما كانت البلاد «تنام على حريرِ» السيطرة عليه، وسط ارتباكٍ كبير تَسَبَّبت به هذه المفاجأة غير المحسوبة التي سحبتْ الأضواء من انطلاق قطار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي حول برنامج دعمٍ مالي بقيمة 10 مليارات دولار يشكّل حجر الزاوية في خطة إنقاذ لبنان من الانهيار المتدحْرج.
وجاء ثبات تَصاعُد الخط البياني (عن معدّل ما بين صفر و6 حالات لمقيمين الذي صمد لأيام) للإصابات لليوم الثاني على التوالي، وإن مع تَراجُع عن رقم 36 الذي سُجّل الأحد، بمثابة تأكيد المؤكد حيال المخاوف من أن يكون لبنان فَقَدَ «المناعة» التي كان كوّنها حيال «كوفيد – 19» خلال الأيام الثمانين الماضية (منذ تسجيل أول إصابة) عبر إجراءاتٍ تحصينية ووقائية نجحتْ في وقْف إنفلاش الفيروس وتَلافي بلوغه ذروةً قاصمة لظهر النظام الصحي المُنْكَشِف على التعثّر المالي للدولة وتَداعي الليرة أمام الدولار.
وفيما كانت وزارة الصحة تعلن تسجيل 14 إصابة جديدة أمس بينها 12 لمقيمين و2 لوافدين (ليصبح العدد الإجمالي 859 بينها 234 حالة شفاء)، لم يكن ممكناً القفز فوق ملامح الإرباك الكبير الذي ارتسم في أداء السلطات الرسمية بإزاء «الهجوم المضاد» من «كورونا» الذي استفاد من الثغر في «خطوط الدفاع» التي أقيمت لمواكبة عملية إجلاء المنتشرين وضمان التزام مَن تَظْهر نتائج فحوص الـPCR التي يخضع لها سلبية بالحجر المنزلي الإلزامي وشروطه، كما من التراخي الرسمي والشعبي في تطبيقِ مقتضيات التعبئة العامة وإجراءات الوقاية والسلامة وذلك بفعل «الضياع» الذي نتج من قراراتٍ مثل فتْح الطرق للسيارات يومياً بحسب أرقام لوحات السيارات (مفرد مجوز) حتى بدء ساعات منْع التجوّل الليلي وصولاً إلى بدء التخفيف الممرْحل لحال التعبئة، في ظلال أرقامٍ مُطَمئنة جداً في عدّاد الإصابات سرعان ما «دار معها الدولاب» بين ليلة وضحاها.
وبعدما كان لبنان عاش لساعاتٍ في أجواء «انفصام» بين مناخٍ عبّر عنه وزير الصحة حمد حسن الذي قاد عملية قرْع «جرس الإنذار» طارقاً باب إمكان الدعوة إلى إقفال البلد لـ 48 أو 72 ساعة، وفق ما ستشهده الساعات الفاصلة عن جلسة مجلس الوزراء اليوم، وبين المضيّ بمسار استعادة دورة الحياة العادية الذي بدأ (لا سيما في قطاع المطاعم والمحلات التجارية والفنادق وإن مع ضوابط الأمان وجداول زمنية) عبر بدء تطبيق المرحلة الثالثة من تخفيف التعبئة العامة الذي كان مقرَّراً أمس، سرعان ما جرى تَدارُك هذا التناقض النافر عبر إرجاء تنفيذ بعض إجراءات هذه المرحلة حتى الاثنين المقبل، وهو ما عبّر عنه إعلان «كازينو لبنان» أنه أجّل معاودة فتْح أبوابه (أمس) حتى إشعار آخَر «التزاماً بقرار وزير الداخلية تمديد التعبئة العامة للمرحلة الثالثة».
وتَزامَن هذا التطور مع عدم بروز مؤشراتٍ لتعليق رحلات العودة للمنتشرين التي تُستأنف الخميس والتي يفترض أن تشمل نقْل نحو 12 ألف لبناني من عشرات الدول، وسط علامات استفهام كبرى حول سبل تصحيح الأخطاء التي رافقت المرحلة الثانية من الإجلاء خصوصاً على مستوى استراتيجية المتابعة للعائدين في الحَجْر المنزلي والتي أظهرت تَفَلُّتاً عززه تقاذُف مسؤوليات بين السلطات المعنية بهذا الأمر، محلية أو مركزية، وصولاً إلى فضيحة فجّرها رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط على تخوم هذا الملف وفحوص الـpcr المسبقة للعائدين بإعلانه في تغريدة «يبدو أن هناك شهادات مزورة في بلدان معينة».
وإذ كانت قوى الأمن الداخلي تستردّ زمام التشدد في تطبيق قرار سير الآليات وفق أرقام لوحات السيارات والتزام بروتوكولات الوقاية، كان وزير الصحة يقرّ بأنّ الارتفاع المفاجئ (الأحد) في الإصابات «شكل صدمة للجميع»، محذّراً من «أن ذريعة الوضع الاقتصادي الصعب لتبرير الاستهتار، وعلى أحقيتها، لا تقاس بالثمن الباهظ الذي سيدفعه لبنان إذا انتشر كورورنا بوتيرة مرتفعة»، وكاشفاً «أنّ خيار الإقفال التام للبلد، أيام الجمعة والسبت والأحد من الأسبوع الجاري قد يكون ضرورياً».
وفي موازاة ذلك، وفيما كانت الأنظار شاخصة على بدء التفاوض الشائك مع صندوق النقد الدولي ارتكازاً على خطة الإصلاح التي أقرّتها الحكومة، باغت المشهد الداخلي «اندلاع حرب» سياسية داخل البيت الحكومي وتحديداً بين فريق رئيس الجمهورية ميشال عون (التيار الوطني الحر) وزعيم «تيار المردة» سليمان فرنجية، واجهتُه فتْح ملف «الفيول المغشوش» وبدء الملاحقة القضائية لرئيس المنشآت النفطية سركيس حليس (محسوب على فرنجية) فيه، ولكن خفاياه تنطوي على تراكماتٍ من «القلوب المليانة» تشكّل الانتخابات الرئاسية عنصراً رئيسياً فيها.