رأينا وجوههم وسط دخان الحرائق وشهدنا على تضحياتهم وبطولاتهم في وسط الكوارث ونراهم من سنوات في تحرك لا يهدأ فيعتصمون في الساحات العامة وامام المقرات الرسمية ويبتدعون أشكالا متعددة في التعبير عن مطالبهم المعروفة التي تعيد تذكيرنا بها نشرات الأخبار وتفاءلنا عشرات المرات بقرب تلبية مطالبهم بناء على وعود المسؤولين دون جدوى.
ألفان وخمسمئة شخص ممن تطوعوا في الدفاع المدني لتقديم خدمة عامة واستثنائية للشعب اللبناني يستحقون لفتة سريعة إلى ظروف حياتهم ومتطلبات تنظيمها وضمان استقرارها وهم الحاضرون دائما لإسعاف ضحايا الحوادث والكوارث.
بالمقارنة وكما تكشف جلسات لجنة المال النيابية واستجواباتها مرت آلاف حالات التوظيف التي قيل إنها كانت خارج الحاجات الفعلية للإدارة وربما خارج الأصول القانونية المتبعة في هياكل الدولة ومؤسساتها وتحولت مداخيل المستفيدين ورواتبهم إلى حقوق مكتسبة وعطلت بالمقابل تسوية قضية متطوعي الدفاع المدني الذي يفترض تحويله إلى مؤسسة نظامية من مؤسسات الدولة بهيكلية إدارية ومالية واضحة وثابتة وهو من الضروريات وليس فائضا عن الحاجات.
ينبغي إنصاف هؤلاء الرجال بسرعة عاجلة وعدم استمرار المراوغة في تجميد قضيتهم دون مبرر فهم لا يتماهلون في تلبية أي نداء استغاثة سواء بنتيجة حوادث السير ام الحرائق او الأحداث الأمنية وما اكثر ما تزهق من أرواح اللبنانيين وكم نجا أشخاص لبنانيون من الأطفال والنساء والرجال والشيوخ على أيدي هؤلاء الذين يغامرون بأنفسهم وبأرواحهم لإنقاذ أي كان ولا يميزون بين مواطنيهم في جميع المناطق ومن جميع الطوائف والمذاهب والأحزاب والتيارات ولايوجد مبرر واحد لوضعهم المعلق على انتظار بلا طائل.
مفهوم الخدمة العامة والتفاني في سبيلها تجسده يوميات الدفاع المدني وما سطره هؤلاء الشجعان من عمليات إنقاذ وإغاثة غني عن البيان والأمر يقتضي منحهم مقومات العيش الكريم والاستقرار الاجتماعي والمالي عبر كادر وظيفي ثابت بدلا من إبقائهم معلقين في الفراغ على حبال وعود لا تغني ولا تسمن.
عملية تثبيت عناصر الدفاع المدني في إطار خاص للوظيفة العامة التي يؤدونها هي من باب الضرورات التي تبيح المحظورات مع العلم انها مشكلة تراكمت مع عهود وحكومات بعضها شهد على استشهاد عناصر من الدفاع المدني خلال القيام بمهام إنقاذ عاجل ومن واجب مجلس الوزراء ان يجتهد ليوجد الإطار القانوني لحل هذه المشكلة المزمنة والمعيبة.
يتكامل الدفاع المدني في دوره مع الجيش اللبناني والقوى الأمنية وهو من عناصر الحماية والأمان لجميع اللبنانيين والأمر يستحق مبادرة هجومية ووضع نقطة نهاية في مسلسل الوعود الخائبة طوال سنوات مع اعتذار كبير إلى من لم يبخلوا بدمائهم وخاضوا في نيران الحرائق وغامروا خلال الحروب والأحداث الخطيرة من اجل مواطنيهم بكل جرأة وشجاعة وحماس.
هذه القضية المعلقة هي من أبشع مظاهر توحش نظامنا السياسي ومثال صارخ على تنصل المسؤولين الذين تعاقبوا امام قضية عادلة ومطالب مستحقة لا يمكن إنكارها وحاجات لا ينبغي تجاهلها.
لا يجب ان يتملك اليأس من ضحوا بحياتهم من اجل إنقاذ سواهم ولا ينبغي استمرار المماطلة بلاجدوى فهذه القضية هي امتحان ضمير مستمر لكل من يتولى المسؤولية ويتعاطى الشأن العام في لبنان والغريب المستهجن هو لامبالاة الحشود المجلجلة من المنظمات والهيئات والتجمعات والمؤسسات التي يفترض ان لها علاقة بكل قضية اجتماعية وإنسانية وهي تحشر يافطاتها في كل شاردة وواردة.
قرأنا في الصحف عن وعد تبلغه عناصر الدفاع المدني ببت قضيتهم في مجلس الوزراء الأسبوع المقبل وهم أقاموا خيمة للتذكير بمطالبهم … على أمل ان يحتفلوا ونحتفل معهم بوضع نقطة نهاية لجلجلتهم
غالب قنديل