كتب عماد مرمل في الجمهورية
على وقع التجاذبات والمبادرات حول الملف الحكومي، زار وفد «حركي» من «كتلة التنمية والتحرير» دار الفتوى، فما هي دلالات الزيارة في هذا التوقيت؟
ليس خافياً انّ الخلاف حول حقيبة المالية انطوى على عوارض جانبية مذهبية، تحت وطأة الاصطفاف الحاد بين الثنائي الشيعي من جهة ونادي رؤساء الحكومات السابقين.
واذا كانت الساحة الإسلامية في الداخل قد تجاوزت بسلام مفاعيل الاختبار الأصعب المتمثل في قرار المحكمة الدولية، فإنّ ما لم يكن في الحسبان هو ان يعيد ملف تشكيل حكومة مصطفى اديب تحريك جمر النعرات وشدّ العصب المذهبي في البيئتين السنّية والشيعية.
ومن المعروف انّ كلاً من حركة «امل» و«حزب الله» والرئيس سعد الحريري كان يجمعهم، حتى في عزّ الانقسام والنزاع، امر اساسي عابر للسياسة، وهو تجنّب الفتنة الّتي يتهيّبها الحزب والحركة و»تيار المستقبل» على حد سواء.
ولم يكن ادلّ على اهمية هذه الاولوية المشتركة من استضافة عين التينة لشهور طويلة، قبل سنوات، حواراً بين «حزب الله» و»تيار المستقبل» برعاية حركة «امل» على قاعدة «ربط النزاع» التي ظلت سارية المفعول في أصعب الظروف.
ومن بين اسباب الحماسة الدائمة لدى بري لتولّي الحريري شخصياً رئاسة الحكومة، اقتناعه بضرورة ان يكون الاقوى في الطائفة السنّية شريكاً في السلطة، حتى لا يؤدي استبعاده الى شعور بالغبن في بيئته. كذلك وقف بري مرات عدة عند خاطر الحريري في محطات سياسية عدة خلال الأعوام الماضية، منطلقاً من مبدأ، انّ تجفيف ينابيع الفتنة يتقدّم على كل ما عداه ويعلو على كل شيء.
لكن هذا الرصيد المقبول في حساب مكافحة الفتنة، بدا وكأنّه أصبح مهدداً، بعدما تدحرج الاخذ والردّ حول حقيبة المالية وتسمية الوزراء الشيعة، ليتخذ طابع النزاع المذهبي النافر الذي أدّى إلى نوع من الغليان والاحتقان في الشارع.
وعلى الرغم من حرص «الثنائي» على وضع معركته في الإطار السياسي والميثاقي حصراً، الّا انّ النيات وحدها لا تكفي في مثل هذه الأوضاع، وبالتالي، فإنّ ما لا يمكن تجاهله، هو انّ الأرض أصبحت تحتاج إلى «تبريد»، بعد الحرارة الكبيرة في المواقف، خصوصاً انّ الساحة تبدو مكشوفة في مرحلة انعدام الوزن التي يمرّ فيها لبنان.
وسط هذه الظروف، وبينما تغلي الانتماءات الفئوية فوق صفيح ساخن، اوفد بري الى دار الفتوى، وفداً حركياً ضمّ الوزيرين علي حسن خليل وغازي زعيتر والنائبين علي بزي ومحمد خواجة، في زيارة هدفت، على الارجح، إلى تصويب مسار النقاش حول الشأن الحكومي وتخفيض «سعراته المذهبية».
وتفيد المعلومات، انّ الوفد كان قد طلب موعداً للقاء المفتي عبد اللطيف دريان، قبل ان يطلق الحريري مبادرته، وجرى تحديد الموعد امس، وبالتالي ليست هناك علاقة مباشرة بين الزيارة والمبادرة.
ويكشف المطلعون على مجريات الاجتماع، انّ دريان كان ودوداً جداً مع ضيوفه، وهو أثنى على دور بري عموماً في تدوير الزوايا، مؤكّداً انّه يكنّ له كل محبة ويعتبره صمام امان «ونحن نلجأ الى بعضنا البعض في الأيام الصعبة، والرئيس بري يبادلني النظرة نفسها واعرف ما يكنّه لي من ود».
وقدّم دريان مقاربة شاملة للوضع الحالي، فلما انتهى من شرحها، قيل له: «ما خلّيت شي لإلنا يا سماحة المفتي»، في إشارة الى تقاطع حول كثير من الامور بين الجانبين.
وَشدّد دريان على ضرورة التوصل الى حلّ للأزمة الحكومية سريعاً، «ولا غنى عن الرئيس بري في هذا المجال».
واجابه الوفد: «نحن نريد ان نسهّل مهمة مصطفى أديب وان تتشكّل الحكومة في أسرع وقت ممكن، ولكن كما تعرف، فإنّ التركيبة اللبنانية لا تتحمّل كسر او اقصاء احد، وإننا من جهتنا متعاونون الى اقصى الحدود، وقد طرحنا ان نتقدّم بمجموعة من الاسماء، على أن يضع الرئيس المكلّف فيتو على الاسم الذي لا يعجبه».
وتعليقاً على البُعد المذهبي الذي صبغ الخلاف حول المالية وتسمية الوزراء الشيعة، يؤكّد أحد الذين حضروا اجتماع دار الفتوى، بأنّ هذا البُعد «ليس له مطرح لا عندنا ولا عند سماحة المفتي».