كتب – عبدالله قمح
تتسرّب من بين جدران “خلدة” عبارات العتب على الحلفاء. في الواقع، ثمة شعور يطغى لدى “الجمهور الارسلاني” يفيد أنه متروك لقدره الحكومي، بدليل أن الحلفاء الرئيسيين ما زالوا يخوضون معركة دعم توزير “الحالة الارسلانية” في الإعلام ولم ينقلوها بعد إلى طابعها السياسي، بدليل أن النقاشات الجدية تدور حول تشكيلة حكومة مؤلفة من ١٨ وزيراً.
بيان الحزب الديمقراطي اللبناني قبل أيام قليلة جاء ليثبّت التوجه العام بإستثناء “الحالة الارسلانية” من المشاركة في التركيبة الحكومية العتيدة بدليل إقرار الجميع بمن فيهم “حلفاء خلدة” أن سقف التشكيلة المتوقعة لن يتجاوز ١٨ حقيبة ما يعني أن النائب طلال أرسلان لن يكون ممثلاً في الحكومة رغم أنه قد طلب منه سابقاً تقديم أسماء للتوزير، فرفع لائحة تضم ٨ شخصيات بخلفيات اختصاصية وبجينات درزية كاملة!
بل أن الديمقراطي خاطب من سماهم “معظم الافرقاء” بلغة شاملة تقريباً لا تعفي حتى الحلفاء منها وتظهر مدى الانزعاج الذي يُحيط خلدة، حين قال أن “المعطيات تبشر بحكومة سياسية بإمتياز تحت شعار مُخادع اسمه حكومة اختصاصيين”، ملمحاً إلى “خطورة ما يحصل في كواليس التأليف، حيث تظهر النوايا الخبيثة لدى معظم الأفرقاء، ويتم التأليف على قاعدة المحاصصة والكيدية والجشع”، وهو كلام يستهدف الاقربون اولاً ولا يُعفي طبعاً رئيس الجمهورية من الانزعاج بحكم أن ما هو معلن، أن التأليف يتم بمشاركة وتعاون بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف.
بالنسبة إلى خلدة، مسألة التوزير ليست نابعة من “مرض سياسي مزمن أو جوع عتيق”، ولا من تخمة سياسية يتم السعي عبرها إلى نيل مقعد بأي طريقة، بل مرد ذلك إلى حفظ الميثاقية الدرزية وحق التمثيل وكسر الاحتكار والاحادية وإسقاط ثقافة الحصار التي ما زالت عالقة في ذهن شريك مفترض داخل البيئة يعيد تفعيلها كلما شعر بضيق سياسي.
تقدير الموقف لدى المحيطين بخلدة ينطلق من وجود خلفيات كيدية يُسأل عنها الرئيس المكلف سعد الحريري الذي ربط نفسه بمجموعة تفاهمات وتعهدات منذ ما قبل التكليف كان لها أثر الحد من “رشاقة حركته”. فتشدده حيال تشكيلة حكومية من ١٨ وزيراً وهو بكامل علمه أنها تستهدف “الدار الأرسلانية” بشكل مباشر بعد أن كان منفتحاً على غيرها، لا يمكن قراءته إلا من زاوية التزامه بتحقيق وعوده إلى المختارة التي حدّدت منذ اليوم الاول خياراتها السياسية بنيل حصتين وزاريتين في حكومة حريرية رابعة كمدخل للموافقة على تسمية رئيس تيار المستقبل. مذ ذاك بات الحريري أسير “المعادلة الجنبلاطية”.
لا تخفي الاوساط أن الرئيس سعد الحريري تلقى بلاغاً من النائب السابق وليد جنبلاط يطلب منه تطبيق التزاماته بإدخال درزيين اشتراكيين إلى الحكومة مع ما يعنيه ذلك من حصر للميثاقية الدرزية بفئة واحدة. ومع إدراكه بصعوبة تحقيق ذلك بفعل دخول أرسلان شريكاً مضارباً في الحصة الدرزية، إنصاع إلى رغبة نفس الجهة بتخفيض مستوى المقاعد ما قاده إلى “الدفش” صوب حكومة مصغرة والتشبث عند رأيه من دون تراجع.
عملياً مثل ذلك ليس عقدة توزير يُصطلح أن يُطلق عليها اسم “العقدة الدرزية” بفعل إصرار ارسلان على حقّه، بل “عقدة إرسلانية في الطائفة الدرزية” تتجسد واقعاً عند كل مرة يُطرح فيها تأليف حكومة جديدة من أي نوع كانت، فهدف الحريري الواضح هو قطع الطريق على دخول ارسلاني إلى الحكومة، لكن المضمر المشاركة في حصار سياسي يُفرض على حالة درزية واسعة “درة تاجها خلدة”.
وفي معرض حديث الأوساط، تستغرب هذا “التخاذل الحريري، وسياسة التخلي المتبعة من قبله حيال من يشاركهم في ظروف سياسية ما”. فرئيس تيار المستقبل يعلم كم من مرّة سلفه “المير طلال” خدمات “على حسابه”، ليس آخرها الانتخابات النيابية الماضية حين لم يجد المستقبل لائحة تأويه في أقصى الجنوب، ففضل “المير” التحالف معه و “إزعال الحلفاء” على منطق “عزل مكون لبناني يمثله المستقبل”، و “عيب ان يتم رد الجميل بهذه الطريقة والمشاركة في عزل تيار درزي وازن”.
ثمة من يقول أن مأخذ الحريري على أرسلان كان في تماهيه الكلي مع التيار الوطني الحرّ وصولاً إلى حجب “المير” صوته في الاستشارات عن الحريري ما ولّد زعلاً لديه، لكن هذا الكلام يُرد إلى عنقه حالما يتبين أن الحريري لم يوعز بتكليف الوفد الذي جال على الكتل النيابية ان يزور خلدة، إنصياعاً لرغبة “عدم إزعاج جنبلاط” الذي ربط تسمية الحريري بالمسافة التي سيأخذها الأخير من خلدة. أما حديث الحريري وأوساطه عن عدم وجود “شيء يجبره” على إدخال “من لم يسمه إلى الحكومة أو مناقشته في طبيعة التمثيل” فمردود هو الآخر بشهادة مفاوضة الحريري “المواربة” للتيار الوطني الحر الذي لم يسمه، ولو عبر رئيس الجمهورية، وهو أمر لم يعد مخفياً على أحد بل أن التيار بذات نفسه يقرّ ويجاهر بحصوله!
كل ذلك قد يكون مفهوماً ربطاً بالتموضعات السياسية المستجدة، لكن ما هو غير مفهوم، ان يتماهى بعض الحلفاء مع “لغة العزل” الصادرة من أعالي الجبل، وأن يعتبروا ان قضية عدم توزير خلدة “مسألة وبتمرق”، ولن يطول الامر حتى يرضى المير! لكن التبدلات تجر تبدلات بدورها، وما كان ينطبق على المير يوماً ما تجاه الآخرين ما عاد ينطبق عليه الآن.
“ليبانون ديبايت”