العالم مستنفر لإغاثة اللبنانيين والسلطة تمعن في إغراقهم… مشهد سوريالي سترتسم خطوطه العريضة اليوم في مؤتمر باريس ليؤكد على مسامع الطبقة الحاكمة المتمثلة في المؤتمر بشخص رئيس الجمهورية ميشال عون، أنها سلطة فاقدة للثقة والمشروعية في تلقي المساعدات المخصصة للشعب اللبناني، بينما سيكون الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، كما كان في بيروت، خير معبّر عن وجع اللبنانيين ينطق بلسان حالهم، ويجسد واقع نكبتهم تحت سطوة سلطة فاسدة نهبت مقدراتهم ومدخراتهم في المصارف وخطفت أرواحهم بانفجار المرفأ وأجهضت آمالهم وتربصت، ولا تزال تتربص، بآخر فرصة فرنسية لإنقاذهم.
لولا العيب والحياء، لكان المؤتمرون اليوم رفضوا أي حضور رسمي لبناني في مؤتمر مخصص حصراً لإغاثة الشعب اللبناني، وهم أساساً لم يترددوا في اشتراط إيصال المساعدات إلى اللبنانيين من دون المرور بالقنوات الرسمية للحكومة والدولة اللبنانية، باعتبارها غير مأمونة الجانب ولا تؤتمن حتى على “فلس أرملة”. وبيان قصر الإليزيه مساءً كاد أن يضع خطين أحمرين تحت عبارة “دعماً للشعب اللبناني” في سياق إعلانه عن هدف انعقاد مؤتمر باريس اليوم “بعد ما يقرب من 4 أشهر من الانفجار في مرفأ بيروت”، مشيراً إلى أنّه يهدف إلى “حصر المساعدات التي قدمها المجتمع الدولي وطرق توزيعها منذ مؤتمر 9 آب، لتقييم الاحتياجات الجديدة والعمل على تلبيتها” في سبيل تأمين المساعدة اللازمة للبنانيين.
وتوقعت مصادر معارضة أن “يغتنم رئيس الجمهورية فرصة ظهوره على شاشة المؤتمر اليوم لمحاولة النأي بنفسه عن الطبقة السياسية التي يشكل حجر الزاوية في أكثريتها الحاكمة”، وأعربت عن قناعتها بأنّ “عون سيعيد بلا شك تكرار لازمة الجهود الإصلاحية التي يبذلها وما تستدعيه هذه اللازمة من ضرب متجدد على وتر “التدقيق الجنائي” وتصويره بمثابة عصارة الفكر العوني الإصلاحي، بينما المجتمع الدولي يحمّل عون نفسه وبشكل رئيسي، من موقعه كرئيس للجمهورية، مسؤولية أساسية في الانهيار الذي وصل إليه البلد، وهذا حرفياً ما كان قد عبّر عنه الرئيس الفرنسي في رسالته الأخيرة لعون حين ذكّره بمسؤولياته وواجباته تجاه حل الأزمة”.
في الإطار عينه، وبالتزامن مع اجتماع رئيس الجمهورية مع سفير الاتحاد الاوروبي ونائبة المنسق الخاص للامم المتحدة والمدير الاقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي أمس في قصر بعبدا، أصدر البنك الدولي بياناً بدا بمثابة التوبيخ للسلطة اللبنانية “لعدم اتخاذها إجراءات سياسية فعالة لمواجهة الأوضاع الاقتصادية في البلاد”، متسببة من خلال أدائها هذا بمعاناة الاقتصاد اللبناني “من كساد شاق وطويل الأمد”. وحذر تقرير المرصد الاقتصادي اللبناني للبنك الدولي من أنّ “لبنان يعاني من استنفاد خطير للموارد”، مرجحاً “استمرار تفاقم الفقر في البلاد”، ومتوقعاً أن يطال “أكثر من نصف السكان”. ولفت المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي ساروج كومار جها إلى أنّ “عدم وجود توافق سياسي حول الأولويات الوطنية، يعيق بشدة قدرة لبنان على تنفيذ سياسات تنموية طويلة الأمد وذات رؤية”، مشدداً على حاجة الحكومة الجديدة لتنفيذ “استراتيجية ذات مصداقية لتحقيق استقرار الاقتصاد الكلي بسرعة مع تدابير قصيرة الأجل لاحتواء الأزمة”.
وعلى ضفة التحذيرات الدولية عينها، يبدو أنّ الطبقة اللبنانية الحاكمة على موعد مع “بهدلة” بريطانية مقبلة على الطريق، سيحملها وزير شؤون الشرق الأوسط في المملكة المتحدة جيمس كليفرلي خلال زيارته المرتقبة لبيروت خلال الساعات المقبلة. إذ كشف المتحدث باسم السفارة البريطانية أنّ كيفرلي، وهو أول مسؤول بريطاني رفيع سيقوم بزيارة رسمية إلى لبنان بعد انفجار 4 آب “سيوصل رسائل صارمة إلى القادة والمسؤولين اللبنانيين”، مشدداً على أهمية هذه الزيارة لناحية “حثّ السياسيين على التحرك الآن لتحقيق الإصلاحات قبل فوات الأوان”، وحذر من أنّ الوضع الاقتصادي اللبناني يواجه “أسوأ التوقعات منذ الحرب الأهلية” وقد تشهد المرحلة المقبلة كفاحاً “لتلبية الاحتياجات الأساسية للناس: الغذاء والوقود والأدوية”.
توازياً، برزت أمس مجاهرة حاكم المصرف المركزي رياض سلامة بأنّ أموال الدعم لتأمين المواد الحيوية والأساسية للبنانيين تكفي “لشهرين فقط”، معتبراً أنّ الكلام عن عقوبات أميركية على المصرف “غير دقيق”، وقال لقناة “الحدث”: “نحن مع التدقيق الجنائي وسلمنا حساباتنا وسنلتزم بتسليم حسابات الدولة لوزارة المالية تمهيداً للتدقيق”.
المصدر:نداء الوطن