الرئيسية / مقالات / ‏مسار التأليف: “شاق وطويل”

‏مسار التأليف: “شاق وطويل”

 

كتبت “الجمهورية” تقول:تعقيدات الملف الحكومي المقفل، وما يوازيها من قلقٍ مجتمعي شامل صار وشيكاً، تُضاف إليها خيبة المجتمع الدولي من طبقة حاكمة تمعن في التدمير الشامل للبلد وأهله، تَصوغ سؤالاً صريحاً ومباشراً: أيّ لغة يفهمها المتحكّمون ليوقِفوا انفصالهم عن الواقع، ويدركوا أنّ وقت البلد يوشك أن ينفد وينتهي، وبلوغ نقطة الزوال النهائي بات يُقاس بالأيام؟

منذ 17 تشرين الاول 2019 وحتى اليوم، لم تبقَ لغة على وجه الأرض الّا واستُخدمت لِنَهي الطبقة الحاكمة عن سياسة التدمير، وللتحذير من المصير المشؤوم الذي ينتظر لبنان؛ فيما طبقة الحكّام مصابة بالطرش وفقدان كلّ حواس الإدراك والفهم والحياء والإحساس والشعور بالمسؤوليّة، فلا نفعت معها لغة الجائعين التي صَدحت على امتداد لبنان من أدناه الى أقصاه في 17 تشرين الاول 2019 وما تلاه، ولا نفعت لغة الأزمة الاقتصادية والمالية وإفلاس الدولة، في إجراء تعديل ولو طفيف في سياسة نَهش البلد، ولا نفعت لغة الكارثة العظمى في مرفأ بيروت في إشعار الحكّام بهولها، ولا نفعت كلّ لغات المجتمع الدولي في تغيير سلوكهم المقيت، ولا نفعت اللغة الفرنسيّة في جَلب هؤلاء إلى بيت طاعة البلد لإنقاذه، عبر المعبر الذي فتحته أمامهم مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. فأيّ أملٍ يُرجى مع هؤلاء الحكام؟

بالتأكيد، أنّ الأمل مفقود بالكامل، مع انكار الطبقة الحاكمة لواقع البلد الأسود والمرير، ولحقيقة أنّ اللبنانيّين باتوا وكأنّهم يعيشون الفصل الأخير من حياتهم، بعدما خسروا كل شيء، لم يبق امامهم سوى انتظار مراسم دفن الفتات المتبقي من مدخراتهم إلى جانب طموحاتهم واحلامهم.

ثمة اجماع لدى الشريحة الكبرى من اللبنانيين بأنّهم محكومون لتماسيح سياسية غير عابئة بالغضب الشعبي العارم؛ عيونها مفتوحة فقط على نهش المكاسب والأرباح، ومغمضة عن وضع بلد “صار بالويل” على حدّ تعبير الرئيس نبيه بري، يُحتضَر بين “توسّل الخلاص وتسوّل اللقمة”، وتتحكّم فيه غرف سوداء تحريضية في كل اتجاه، ونكايات انتقامية وعقلية ثأرية تطيح الأساسيات في استعراضات إعلاميّة متواصلة على حافة الهاوية.

ضغوط بلا نتائج

كل ذلك يتمظهر بأبشع صوره على حلبة الحكومة، العالقة بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلّف سعد الحريري، من دون أن تبرز أيّ مؤشّرات الى إمكان تلاقيهما، او تراجع اي منهما عن شروطه المرفوضة من قِبل الآخر، وذلك على الرغم من الحركة الدولية الضاغطة في اتجاه توليد الحكومة، أكان من الجانب الفرنسي، حيث استنفد الرئيس ماكرون محاولات متتالية لتحقيق هذا الهدف، وكذلك من الجانب البريطاني الذي اقترنت دعوته الى التعجيل بالحكومة، بتحذير من “تسونامي” خطير قد يجرف لبنان خلال اشهر قليلة، وايضاً من الجانب الاميركي الذي يؤكّد على حاجة لبنان الى حكومة اصلاح وانقاذ لمكافحة الفساد المستشري فيه. والديبلوماسية الاميركية، بحسب معلومات موثوقة لـ”الجمهورية”، كانت صريحة جداً امام بعض المسؤولين في سخريتها من مبادرة بعض الفرقاء اللبنانيّين الى الهروب من مسؤوليّتهم في تعطيل تشكيل الحكومة، وتعليق فشلهم ومماطلاتهم على العامل الخارجي غير الموجود.

وبحسب المعلومات، انّ الكلام الديبلوماسي الاميركي، يتقاطع مع تأكيد ديبلوماسيّين أوروبيّين على “رفض ذريعة التعطيل الخارجيّة، خصوصاً وانّ سبب التعطيل معروف، ويؤكّد ذلك علناً مسؤولون لبنانيّون، يعتبرون انّ تعثر تشكيل الحكومة سببه خلافات حول امور سطحية وشكلية بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري”.

وتلفت المعلومات، الى انّ النبرة الديبلوماسية ارتفعت في الساعات الماضية، حيث تبلّغ احد كبار المسؤولين كلاماً يحمل تحذيراً جدّياً من انّ “الاستمرار في تعطيل الحكومة، على النحو اللامسؤول الذي يُظهره المعنيّون بملف التأليف، ليس معناه فقط تأخير المساعدات للبنان، بل عدم التردّد في اتخاذ اجراءات بالغة الشدة بحق المعطلين، قد تصل الى فرض عقوبات قاسية عليهم”.

واللافت للانتباه في الأجواء الديبلوماسية، انّ الحديث عن عقوبات اوروبية محتملة، يتزامن مع ما كشفه سفير دولة غربية كبرى، عن انّ دفعة العقوبات الاميركية الجديدة بحق العديد من الشخصيّات اللبنانيّة السياسيّة وغير السياسيّة، صارت على وشك ان تصدر، والمسألة باتت مسألة ايام قليلة.

ماكرون قبل الميلاد

في هذا الوقت، رجّحت مصادر ديبلوماسية من باريس، ان يزور الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لبنان قبل عيد الميلاد. ولفتت المصادر، الى انّ ماكرون اجرى تعديلاً في جدول زيارته التي كانت محصورة أصلاً بزيارة الوحدة الفرنسية، بحيث ستشمل لقاءات مع مسؤولين لبنانيين، مع احتمال عقد طاولة قصر الصنوبر من جديد، ومن دون أن تستبعد قيامه بجولة تفقدية جديدة للمنطقة التي حلّت فيها الكارثة جراء انفجار مرفأ بيروت.

التعطيل يستحضر التوبيخ!

واكّدت المصادر، “أنّ ماكرون الذي أكّد في كلمته في المؤتمر، حضوره الى لبنان للضغط على المسؤولين اللبنانيين للتعجيل في تشكيل الحكومة واعتماد خريطة الطريق التي حدّدها في المبادرة الفرنسية، لا يعني في كلامه ان يؤجّل القادة في لبنان تشكيل الحكومة الى ما بعد زيارته، بل على العكس، هو يؤكّد على الحاجة الملحّة والتأليف الآني للحكومة، بحيث تأتي زيارته للتهنئة والشدّ على ايدي القادة اللبنانيين باعتماد طريق الإنقاذ والإصلاح عبر حكومة المهمّة وبرنامجها الاصلاحي، الذي سيفتح بالتأكيد باب المساعدات للبنان، بدل أن تأتي زيارته في جو تعطيلي، تتلقى فيه الطبقة السياسية في لبنان مزيداً من التوبيخ والتأنيب”.

لودريان

الى ذلك، وجّه وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان رسالة الى الاغتراب اللبناني، أكّد فيها “دعم فرنسا الكامل للبنان في هذه المرحلة الصعبة والتي يقف فيها لبنان على مشارف الانهيار”.

ودعا المغتربين اللبنانيين الى “الاستمرار في القيام بدورهم الحيوي”، وحثهم على “دعم وطنهم من خلال إرسال المساعدات للشعب اللبناني عبر منصّتين مخصّصتين لدعم لبنان من قِبل الامم المتحدة والمؤسسة الفرنسية للدعم بالشراكة مع وكالة التنمية الفرنسية”.

وتأتي هذه الرسالة من وزير الخارجية الفرنسية رداً على الخطاب المشترك الذي أُرسل الى الخارجية الفرنسية من قِبل مجلس رجال الاعمال اللبنانيين في فرنسا (HALFA) ومجلس التنفيذيين اللبنانيين (LEC) والمجلس الاغترابي اللبناني في بلجيكا، حيث أكّد أنّ “فرنسا لم تتأخّر يوماً بالوقوف الى جانب لبنان وخصوصاً بعد انفجار الرابع من آب، من خلال مواقفها وتقديمها مساعدات فورية على مختلف الأصعدة ومع المتابعة السياسية المستمرة”.

وفي معرض رسالته، شدّد لودريان على حتمية التزام الطبقة السياسية بإجراء الإصلاحات اللازمة ومحاربة الفساد. وأكّد في الختام وقوف فرنسا الدائم الى جانب الشعب اللبناني.

نصيحة

الى ذلك، كشفت مصادر معنيّة بملف التأليف لـ”الجمهورية”، عن نصيحة فرنسيّة متجددة، أُبلغت الى بعض المستويات السياسية، غداة انعقاد مؤتمر الدعم من أجل لبنان، تؤكّد على استفادة القادة اللبنانيين من زخم مؤتمر الدعم، واعادة تحريك ملف التأليف جديًّا، بما يكسر حلقة التعقيدات القائمة فيه.

بالتوازي، تحدثت مصادر عليمة ببعض المشاورات الجارية في الكواليس الدولية الى “الجمهورية”، عن إشارات توحي الى امكان نجاح بعض المحاولات الجارية من اجل تفكيك بعض العِقَد الحكومية في الايام القليلة المقبلة، والتي يمكن ان تفتح الطريق بما يؤدي الى حلحلة ما مطلع الاسبوع المقبل.

ورفضت هذه المصادر اعطاء اي توصيف لهذه الإشارات، التي قالت انّها “إيجابية”، والتي لم يتلقفها او يتبناها اي مصدر لا في قصر بعبدا، الذي ينتظر إشارة ما من جانب الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة سعد الحريري، ولا في بيت الوسط، الذي يحتفظ بالصمت المطبق.

تقنية الفيديو

وسألت “الجمهورية” مسؤولاً كبيراً حول النصيحة، فقال: الفرنسيون سبقونا بمسافات زمنية في حرصهم على بلدنا، بالتأكيد هم يطلبون منّا ما هو واجب بديهي يفترض ان نقوم به تلقائياً، ولكن مع الأسف، المعنيون بتأليف الحكومة يضيعون البلد من اجل تسمية وزير او الظفر بوزارة. قال لنا الاوروبيون، ومعهم حق: “إحترنا معكم، انتم اللبنانيون متخلفون، تنتحرون مجاناً وبلا ثمن، وننصحكم لإنقاذ انفسكم لكنكم مصرّون على ان تفتشوا على ابشع طريقة يمكن ان يفكّر فيها العقل البشري للوصول الى انتحار جماعي لكل اللبنانيين”.

اضاف: “بناء على التجربة مع كل النصائح والتحذيرات وتفشيلها في الغرف السوداء، لست متفائلاً على الاطلاق، خصوصاً انه لو كانت هناك ارادة جدية في تأليف الحكومة لَما حصل هذا الإنقطاع المريب في التواصل بين عون والحريري، ولَما كان خلافهما على امور أقل من سطحية وشكلية.”

وقيل للمسؤول المذكور: ربما يكونان خائفين من كورونا. فردّ ممازحاً: الرئيس ماكرون جَمع 40 مسؤولاً دولياً في مؤتمر لدعم لبنان عبر تقنية الفيديو، واذا كانا خائفين من كورونا، يستطيعان ان يلتقيا عبر تقنية الفيديو بين القصر الجمهوري وبيت الوسط، لكن ما نفع اللقاءات المباشرة او عبر تقنية الفيديو طالما انه لا توجد ارادة للتأليف حتى الآن.

وسئل: هل هناك مِن معطّلي الحكومة مَن ينتظر بدء ولاية الادارة الاميركية الجديدة؟ فأجاب: إنشالله يبقى البلد من الآن وحتى يتسلّم جو بايدن!

ورداً على سؤال حول المطالبات بتعويم حكومة تصريف الاعمال، قال: عندما كانت هذه الحكومة بكامل صلاحياتها كانت عنواناً للتخبّط والفشل في كل المجالات، فكيف الآن وهي في حال تصريف اعمال؟ ومن يطالب بتعويمها فليكلّف نفسه ويقرأ الدستور.

 

المصدر:الجمهورية

شاهد أيضاً

اليكم تفاصيل المقترحات الفرنسية والبريطانية والأميركية لاستقرار لبنان

  كشف المدن عن الصيغ والطروحات والاقتراحات الدولية، لمعالجة الوضع في جنوب لبنان، ووقف التصعيد، …