بدلاً من ان يكون القضاء حلاً أصبح هو المشكلة، وبدلاً من ان يكون حكمه الكلمة الفصل بات وجهة نظر. والأكيد، انّ كلاً من الطبقة السياسية والجسم القضائي يتحمّلان المسؤولية عن الوصول إلى هذا المأزق الذي يهدّد أسس الدولة والانتظام العام.
اذا كان المحقق العدلي القاضي فادي صوان قد حدّد مطلع هذا الأسبوع موعداً لاستجواب دياب والوزراء الثلاثة السابقين، فإنّ المحسوم هو انّ اياً منهم لن يمثل امامه، الأمر الذي سيضعه أمام اختبار صعب وخيارات شائكة، فإما الرضوخ للأمر الواقع، واما اتباع مسار قانوني متدرج قد يفضي في نهاية المطاف إلى اصدار مذكرات توقيف مستحيلة التطبيق في حق المدّعى عليهم، وإما التنحّي احتجاجاً على سقوط هيبته، وإما توسيع رقعة الادعاء ليشمل شخصيات سياسية أخرى، لإثبات براءته من تهمة الاستنسابية والكيدية.
ولكن، كيف سيتصرف وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال العميد محمد فهمي اذا تطورت هذه القضية في اتجاه دراماتيكي؟
يؤكّد فهمي لـ«الجمهورية»، انّ الادّعاء على الرئيس حسان دياب في جريمة انفجار المرفأ هو ظلم وافتراء، «لأنّه لا يجوز إلقاء تبعات ملف متشابك عمره 7 سنوات على رئيس حكومة لم يمض على وجوده في السرايا الحكومية سوى بضعة اشهر».
ويعتبر فهمي انّ «قرار القاضي صوان المستند الى الاستنسابية، يعزز صحة موقفي الذي لم يعجب البعض، فيما الأحداث تثبت صوابيته، وهو أنّ هناك أزمة ثقة في جانب واسع من القضاء، علماً انّ ما جاهرت به على هذا الصعيد يتداول به معظم اللبنانيين في مجالسهم، وهذا ما يفسّر التعاطف الشعبي الكبير الذي حصل معي بعد الحملة التي تعرّضت لها والإدّعاء عليّ».
ويؤكّد فهمي انّ لديه ملفاً موثقاً بالأدلة والوقائع يثبت ما قاله، آملاً في أن لا يضطر الى الإفصاح عنها «حرصاً على سمعة القضاء الذي نريده منزهاً وعادلاً، لأنّ القضاء يبقى ركيزة اي إصلاح، والممر الإلزامي الى بناء دولة المؤسسات».
وكيف سيتصرف وزير الداخلية في حال قرّر القاضي صوان تسطير مذكرات توقيف في حق دياب والوزراء السابقين المدّعى عليهم، اذا رفضوا المثول امامه كما هو متوقع؟ هل سيأمر الأجهزة الأمنية عندها بتنفيذ مثل هذه المذكرات؟
يجيب فهمي: «عُذراً.. لن أنفّذ»، مضيفاً: «بالتأكيد لن اطلب من الأجهزة الأمنية ان تنفّذ قراراً قضائياً من هذا النوع، وليلاحقوني انا اذا أرادوا. المهم ان لا اخالف ضميري».
ومع تفاقم الخشية من التهديدات الأمنية التي كانت موضع تشريح على طاولة مجلس الدفاع الأعلى في اجتماعه الاخير، يوضح فهمي، انّه دعا مجلس الأمن المركزي الى الاجتماع غداً الثلثاء للبحث في الإجراءات الأمنية التي ستُتخذ خلال فترة الأعياد، موضحاً انّه كان قد طلب من رؤساء الأجهزة شفوياً تفعيل الإجراءات الاحترازية، وستتمّ غداً مناقشة الخطط المقترحة، وسبل تعزيز التنسيق العملاني بين الأجهزة المختصة، لرفع منسوب اليقظة والجهوزية الى اقصى الحدود الممكنة.
ويشير فهمي، الى انّه لا توجد لديه معلومات او معطيات متقاطعة حول وجود استعدادات لدى «خلايا نائمة» او «ذئاب منفردة» لاستهداف كنائس او أهداف أخرى باعتداءات إرهابية عشية الأعياد، «لكن مسؤولياتنا تفرض علينا اتخاذ ما يلزم من تدابير وقائية واستباقية، لتحصين الداخل في مواجهة كل الاحتمالات، خصوصاً انّ الواقع الهش والمهترئ الذي يعاني منه لبنان على كل المستويات، يشكّل خاصرة رخوة في جسم الوضع الامني، الأمر الذي قد يشجع أصحاب الأجندات التخريبية على محاولة التسلل من «الطاقة» لتنفيذ أعمال ارهابية، وهذا ما نتحسب له جيداً كوزارة داخلية بالتنسيق مع وزارة الدفاع الوطني ونحتاط منه».
ويوضح فهمي، انّ التحذير الذي تبلّغته بعض الشخصيات من احتمال حصول اغتيالات في هذه الفترة، يندرج ايضاً ضمن إطار السلوك الاستباقي والوقائي، الذي يأخذ في الحسبان مخاطر اللحظة الراهنة والفرضيات المتصلة بها، مشدّداً على «أنّ المطلوب عدم إعطاء المصطادين في مستنقع الازمة اي فرصة لتحقيق مآربهم وأغراضهم»