تتجه الأنظار إلى الاجتماع الطارئ الذي دعا إليه الرئيس ميشال عون المجلس الأعلى للدفاع في قصر بعبدا عند الساعة الثالثة من بعد ظهر اليوم، للبحث في اتخاذ قرارات، غير عادية، تقضي بإحكام الاقفال العام، لدرجة الاختناق، بعدما حاصر وباء كورونا البلد من اقصاه إلى اقصاه، ومن شماله إلى جنوبه، في ظل تفلت مجتمعي.
هذا في الصحة، اما في السياسة، فتشي المعطيات المتوافرة الى ان التأليف بات بعيد المنال، فهو كان يتم على اساس حكومة اختصاصيين مصغرة ومداورةً في الحقائب وفق التوازن الميثاقي، لكن حديث باسيل أمس أوحى بسعيه إلى حكومةٍ سياسية. وصعّد باسيل موقفه الهجومي ضدّ الحريرية السياسية والرئيس المكلف متهماً اياه بانتزاع صلاحيات رئيس الجمهورية المسيحي متسائلاً: “عن جدّ مصدّقين انّ الدستور جعل من رئيس الجمهورية باش كاتب فقط ليصدر المرسوم وليس ليوافق عليه؟ وهل هذا مفهومكم للطائف؟”.
لبنان بين الاقفال العام والجمود الحكومي… تعويل على ارانب بري والمبادرة الفرنسية
الحريري – باسيل… تلك المعادلة المضطربة!
البلاد الى الاقفال التام
الإعصار الوبائي الذي تتقدم خطورته الفائقة المخيفة كل معايير السياسة، فان لبنان بدأ يشهد منذ البارحة وعقب أيام متعاقبة من الانفجار الأخطر للتفشي الوبائي الذي تحول معه واقع المستشفيات الى كارثة استحضرت أسوأ المخاوف التي كانت تحذر منها القطاعات الطبية والاستشفائية استنفارا غير مسبوق لمواجهة إعصار ما بعد الأعياد الذي تترجمه سقوف الإصابات المتخطية يوميا الخمسة الاف إصابة وبمعدل حالات وفاة مرتفع. وسيبلغ الاستنفار ذروته في الاجتماع الاستثنائي للمجلس الأعلى للدفاع الذي سينعقد بعد ظهر اليوم في قصر بعبدا لاتخاذ قرارات حاسمة وجذرية في شان اقفال عام شامل بلا استثناءات وحظر تجول صارم في ما وصف بانه ذروة التشدد لاحتواء العاصفة الوبائية مع مجموعة إجراءات تتصل بحل الازمة المالية الخاصة بواقع المستشفيات الخاصة واستنفارها جميعا وجعلها تستقبل المصابين بكورونا وربما حصر القطاع الاستشفائي بالكامل بكورونا والحالات الطارئة العادية الأخرى فقط. وصدرت التوصية بالإقفال الشامل مساء امس عن لجنة متابعة تدابير كورونا التي اجتمعت في السرايا برئاسة رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب وأوصت بالإقفال التام لمدة سبعة أيام مع حظر للتجول 24 ساعة على 24 على ان يتم إعطاء الناس مهلة بين 48 و72 ساعة للتمون، مع اتجاه الى المطالبة باقفال المطار وكل المعابر البرية وحتى السوبرماركات وحظر التجول الصارم لمدة لا تقل عن سبعة أيام وحصر الاستثناءات بعدد قليل جدا من القطاعات الحيوية كالصيدليات والأفران ومحطات الوقود بالإضافة الى الجيش والصليب الأحمر والأطباء. وستجتمع اليوم لجنة الصحة النيابية لاصدار توصية بالتئام مجلس النواب لتشريع قانون “الاستخدام الطارئ للقاح” الذي تشترطه شركة “فايزر” والشركات الأخرى المنتجة للقاحات والذي من بنوده اسقاط مسؤولية الشركات عن العوارض الجانبية التي قد تتسبب بها اللقاحات. وأفادت معلومات ليلا ان وزير الصحة في حكومة تصريف الاعمال حمد حسن اتخذ قرارا بتحويل كل المستشفيات الحكومية الى مستشفيات لمعالجة الكورونا حصرا .
وجاءت دعوة المجلس الاعلى للدفاع بعد مناشدات سياسية ونيابية وبلدية. وتشير مصادر مطلعة الى “وجود معلومات مؤكدة حول بلوغ لبنان مرحلة خطيرة من تفشي الوباء، وبأنّ عدد الاصابات الفعلي كبير جداً، وبأنّ البلاد دخلت بالملموس مرحلة مناعة القطيع بسبب تراخي الحكومة في اجراءات الردع وتطبيق قرار التعبئة العامة ونتيجة استهتار المواطنين.”
وأوضح عضو لجنة متابعة وباء كورونا مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الصحية الدكتور وليد خوري في تصريح لـ”اللواء” أن التوصيات التي خرجت بها اللجنة امس بالنسبة إلى الأقفال العام وحظر التجول تشكل الحل الأنسب من أجل الحد من الارتفاع الكبير للاصابات بوباء كورونا . ولفت إلى أنه كان من الضروري اللجوء إلى هذه التوصية بفعل التخوف من تطور الوضع لاسيما أن هناك احتمالا كبيرا أن يحتاج المرضى إلى المزيد من اسرة العناية الفائقة في حال واصل عداد كورونا بالارتفاع وهناك ٥٥٠ سريراً فقط ، قائلا: لا يمكننا الا أن نخفف الأعداد.
وتفاعل عبر مواقع التواصل الخبر الصادر عن التوصية التي خرجت عن اللجنة الوزارية أمس، والتي تقضي بإقفال كل البلد، وان الاقفال سيشمل السوبرماركات والأفران من ضمن القطاعات التي سيتم اقفالها، بما فيها القطاع الإعلامي.
نيابياً، تعقد لجنة الصحة النيابية اجتماعا اليوم لوضع اقتراح قانون، يسمح، باستيراد لقاح الفايروس، من الشركة التي تعاقد معها لبنان، تمهيداً لاقراره في جلسة نيابية قريبة”.
واستعجل رئيس لجنة الصحّة النيابية النائب عاصم عراجي المسؤولين اتخاذ قرار “تسكير البلد”، مصرّحاً لـ”نداء الوطن”: “الاقفال العام يعني بلا استثناءات إلا القطاعات الطبية والافران والمرافق الضرورية. واذا تبين بعد الاقفال ان نسبة الاصابات تراجعت نفتح تدريجاً، علماً ان منظمة الصحة العالمية تنادي بالاقفال لـ6 اسابيع”.
ويؤكّد عراجي انّ الوضع كارثي. “فمصابٌ من أصل مئة بحاجةٍ الى غرفة عناية فائقة. وسُجّلت أمس نحو 5 آلاف اصابة، أي 55 مريضاً كانوا بحاجة الى عناية فائقة، ما يعني 50 غرفة عناية أو عزل يومياً. من أين نؤمّن كلّ ذلك؟ علماً ان المريض يبقى في العناية لفترة 3 اسابيع أو شهر أحياناً”.
وكشف عراجي ان “لجنة الصحة تجتمع اليوم لدرس اقتراح قانون معجّل مكرّر يسمح للدولة والشركات الخاصة باستيراد اللقاحات التي تريد والمعتمدة من منظمة الصحة العالمية”.
من جهته، أكد عضو اللجنة الوطنية للأمراض الجرثومية والمعدية الدكتور عبد الرحمن البزري ان اقفال مطار رفيق الحريري الدولي لن ينفع للحدّ من تفشي الفيروس. وأوضح لـ”نداء الوطن” انّ 60% من حالات انتقال العدوى داخليّ، اي انّ هناك تفشّياً مجتمعياً داخل العائلة الواحدة، والسبب هو حالة التفلّت التي حصلت من دون رقيب او حسيب خلال الاسبوعين الاخيرين”، مشدّداً على امكان تشديد القيود على حركة الطائرات والوافدين معاً من دون الحاجة الى اقفال المطار”.
ورأى البزري انّ لبنان سيحصل على لقاح “فايزر” الآمن والأكثر فعالية، “ولكن مشكلتنا في عدم تحديث القوانين والتشريع، لأنّ الشركة المصدّرة بحاجة الى ضمانات للاستخدام الطارئ، وأعتقد أنه ستكون هناك جلسة عامة للبرلمان لإقرارها”، مشيراً الى انّ “هذا التأخير لن يحول دون وصول اللقاح في موعده المحدد في شباط”.
الحكومة بعيدة
اما المشهد على المسار السياسي فلم يكن اقل قتامة وسط تصاعد التوتر الى ذروته عقب الهجوم العنيف الذي شنه النائب جبران باسيل على الرئيس الحريري والذي اتسم بمجموعة دلالات من شانها ان تدرج مواقف با سيل امس في خانة اشعال حرب لإزاحة الحريري او إخضاعه لشروطه التي تختصر شروط العهد. اذ ان باسيل تحدث على نحو متعمد كأنه يختصر موقفي تياره ورئيس الجمهورية بلا قفازات هذه المرة وبنبرة عدائية للغاية تجاه الحريري الامر الذي فسر بانه رد حاسم على مضي البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في وساطته بين عون والحريري سواسية فيما يريده باسيل (وهو افصح عن ذلك) منحازا بالكامل الى العهد. ثم ان باسيل تحدث من خلفية واضحة مفادها ان أي واقع انهياري في البلاد لن يرغم العهد وتياره على الموافقة على تشكيلة الحريري المودعة لدى رئيس الجمهورية، بل ان الحريري لن يشكل حكومة اختصاصيين ومستقلين تتماشى والوساطة الفرنسية وعليه إعادة النظر الجذرية في تشكيلته بما يمرر شروط العهد واولها منح فريق العهد وتياره الثلث المعطل وتسمية وزرائه جميعا والتسليم بالحقائب التي يطلبها. ولعل الأخطر في ابعاد موقف باسيل انه قفز من الازمة الحكومية الى طرح مؤتمر تأسيسي مفخخ تحت تسمية تطوير النظام كما يفعل تماما حليفه “حزب الله” وهو الامر الذي يكمل ما بدأه الرئيس عون في نهاية الأسبوع الماضي حين فتح السجال واسعا حول اجتهاده بأحقية المجلس الدستوري في تفسير القوانين لا الاكتفاء بدرس مطابقتها للدستور.
واعتبرت مصادر نيابية بارزة لـ”اللواء” المواقف المتطرفة التي أعلنها النائب باسيل بأنها ترمي أساسا الى استدراج ردود فعل باعلى منها لاجل افتعال اشتباك سياسي حاد لاجل قطع الطريق على اي محاولة لتشكيل الحكومة الجديدة، وارغام رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري على الاعتذار لانه تجاهل باسيل منذ البداية، ويامل اذا تحقق هذا التمني من شد عصب الشارع المسيحي من جديد وإعادة تعويم نفسه والعهد معه بعد سلسلة الانتكاسات والفشل الذريع بادارة السلطة طوال السنوات الماضية وانكفاء ألناس من حوله والعقوبات الاميركية عليه.ولكن مجمل المواقف التي طرحها كانت بمثابة رد سلبي مباشر على مواقف البطريرك الماروني بشارة الراعي التي يكررها بشكل شبه يومي لتسريع عملية تشكيل الحكومة الجديدة أيضا. ولكن بمجمل الاحوال فان مثل هذه المواقف المستفزة لباسيل لن تؤدي غايتها، بل تزيد في تسميم الوضع السياسي العام ولن تفلح في اعادة تعويم العهد وباسيل معه، بل تزيد في انحدارهما نحو الهاوية السحيقة ومعهما يجران البلد كله كما يحصل حاليا.
في الموازاة، اكتفت أوساط عين التينة لـ”اللواء”، باحالة النائب باسيل على أمين سر تكتله، لسؤاله عن مصير اقتراحات القوانين التي قدمها تكتله، لأنها في لجنة المال والموازنة في عهدة رئيس اللجنة النائب إبراهيم كنعان.
وتساءلت: هل يصح الحديث عن تأخير ترقيات وصم الآذان وغض النظر عن إيقاف كل نتائج مجلس الخدمة المدنية عن سابق تُصوّر وتصميم.
واكدت: من يريد تطوير النظام فعلا لا قولاً، عليه ان لا يخسر الطائف كميثاق، ويذهب باتجاه طروحات تدخل البلد بالمجهول.
ويواصل البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي مساعيه لجمع الرئيسين عون والحريري، للتفاهم وإنجاز مصالحة بينهما، تمهد لتأليف الحكومة، وإنقاذ لبنان، على حدّ تعبير الوزير السابق سجعان القزي.
واعتبر كلام باسيل انه لم يسهل تأليف الحكومة، وانتقد الدعوة إلى مؤتمر تأسيسي، رافضا القبول بإعادة النظر بالنظام من دون رعاية دولية.
وفهم ان هذا الموقف يعكس موقف من الدعوة إلى مؤتمر وطني لبحث النظام السياسي.
في هذا الوقت، علمت “الأخبار” أن حزب الله سيُحاول مجدداً الدخول على خط العلاقة بين الطرفين؛ فالمسعى الذي بدأه منذ أسابيع لم يُستكمل، لأن الحزب فضّل حينها إعطاء المبادرة التي قام بها البطريرك بشارة الراعي فرصة لعلّها تصل بالملف الحكومي إلى برّ الأمان. لكن بعد أن تبيّن أن الطرفين لا يزالان غير مستعدين للجلوس معاً، قبل الحديث عن أي تقدّم محتمل في الملف الحكومي، فإن حزب الله قرّر تجديد مساعيه لخلق ثقة بينهما، انطلاقاً من خطاب نصر الله الداعي إلى عدم ربط الحكومة بالمفاوضات بين الأميركي والإيراني.
ولكن، لا تُعوّل مصادر مطّلعة كثيراً على هذا المسعى باعتبار أن المسافة بين بعبدا وبيت الوسط لم تكن يوماً بهذا البعد. وهذه المسافة هي التي جعلت الراعي يكرر دعوة رئيس الجمهورية والرئيس المكلف إلى عقد اجتماع مصالحة شخصية، ولا يُنهيانه من دون إعلان حكومة