كتب رائد محمود عبدالخالق” يطوي هذا اليوم ثلاثُ سنواتٍ على رحيلِكَ أبا رائِد
هذا الرحيل الذي لم يكُن يوماً غياباً، بل حضوراً دائماً في كُلِّ شيءٍ سوى الجسد، حُضوراً أعصى من الفراق وأصلب من الذوبان رغم حِمَمِ الهُموم المُتفجّرة بشكلٍ مُستمِر.
أبا رائد الحبيب،
ثلاثُ سنواتٍ عِجاف، وكأنما الحياةَ توقَّفت عن الإبتِسامِ يومَ رحلَت ابتسامتكَ، فكان كُل شيءٍ يسيرُ بشكلٍ دراماتيكيّ يُشعركَ بأن الأيام قررت أن لا تكون جميلةً دونَكَ.
بعدكَ يا أبا رائِد تسارعَت الأحداث على جميع المُستويات، إلّا في منزلك الذي اشتاقَ لصوتكَ الجهوري وطلتكَ الجميلة، كانَ الوقتُ فيه لا يسير،
توقف الزمن لبرهةٍ وما زال حتى اليوم يحاولُ استرداد المبادرة ليستعيد حيويتهُ المعهودة، وكيفَ يستعيدُها دونَكَ يا مَن كُنتَ فيهِ الحَياة والمُبادرة.
تسارعَت الأحداثُ بعدَكَ وكأنها كانت تنتظِرُ رحيلَكَ لتستفيضَ رُعُباً وألماً وانهِيار،
فلا السياسةُ عادَت سياسةً ولا النِّضالُ عادَ نِضالاً ولا البلادُ عادَت بلاداً وليسَ آخِراً مَرَضُ الأبدانِ الذي اجتاحنا بعدَ أن فَتَكَ بمعظَمِنا مرضُ النُّفوسِ والنوايا والضمائر.
اليومَ في ذكراكَ الثالثة يا أبا رائِد، يا أمين محمود …
اليومَ في ذكراكَ الثالثة يا مُنتَهِجَ الوحدةِ والتّوحيدِ، تَكثُرُ النُّهوجُ والمناهِج، وتُضرَبُ القيمُ بالقيَمِ ويختلطُ حابِلُ الوفاءِ بنابِلِ التجدُّدِ، فتضيعُ عُقولُ العارِفينَ بما ترى وتسمع.
لا أعلم إن كنتُ أحسِدُكَ على رحيلِكَ،
لا أعلمُ إن كنتَ لتتحمَّلَ أن ترى ماذا حدثَ ويحدُثُ في الحزبِ الذي رفضتَ أن ينقسِمَ حتّى اليومِ الأخير،
لا أعلم إن كان ليحدُثَ ما حدث لو كنتَ أنتَ هُنا، فيَسقُطُ احدهم غيرُ مأسوفٍ عليه، وقبلَ أن تبدأ الغيوم بالإنجلاء …يَصعَدُ مكانَهُ بعض طواغيطُ المناطِقِ بِهِندامٍ أرثٍّ وخُبثٍ أكبر مُطلِقينَ رصاصةً أُخرى في رأسِ الأمل الذي قُتِلَ قبلَ أن يولَد.
يبدو يا أبا رائِد أنَّ قدرنا في غيابِكَ هو الحُزن .. والحزن الكبير.
في ذكراكَ الثالثة يا أمين محمود، ما زالت عائلتكَ تذكُرُكَ كل يوم، وقريتكَ الجميلة التي أحببتَ، وأهلها الذينَ كانوا لك سندا وكنتَ لهُم عوناً ما زالوا يذكرونكَ كُلَّ يوم،
والحزب الذي أفنيت في سبيلهِ عمركَ ما زالَ يذكركَ ويحتاجك كلّ يوم.
سنبقى أوفياء لمسيرتكَ الحياتية والحزبية وفاءَ الواعينَ المؤمنينَ لا وفاءَ الأتباع المُستزلمين، وستبقى في ذاكرتنا وذاكرة التاريخ صفحةً مشرّفة.
لروحكَ السّلام