في الأيام القليلة الماضية، حجّت القوى السياسية إلى بكركي غداة دعوة البطريرك الماروني بشارة الراعي إلى «عقد مؤتمر دولي لمساعدة لبنان لعدم قدرة الأطراف المحلية على التفاهم». ذلك هو غلاف المشكلة، وفقاً للراعي وبعض الأحزاب السياسية التي آثرت دعم مواقفه الأخيرة التي بدأت بالحياد الإيجابي وخَلُصت بالتدويل.
يأتي حزب القوات اللبنانية على رأس هذه القوى التي تبنّت خطاب البطريرك، وبدأت تبذل كل جهود ممكنة لمدّه بجماهير تسمح له بالتقاط صورة وسط حشد غفير من الناس. ثمة همّ أساسي قواتي يتعلّق بحجز مقعد في صالة انتظار الولايات المتحدة والسعودية، إضافة إلى الرغبة بنيل بركة الكنيسة في مواجهة التيار الوطني الحر

وما أن أنهى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله حديثه، في خطابه يوم 16 شباط، عن «رفض أيّ كلام عن قرار دولي تحت الفصل السابع»، ولو أنه لم يسمِّ البطريرك بل أشار إلى «أكثر من نائب وبعض الأوساط»، حتى بدأ القواتيّون حملة ممنهجة تركّز على وقوف الراعي في وجه مشروع «خراب» حزب الله. تلت ذلك دعوة للسير إلى بكركي اليوم، لدعم مواقف البطريرك. لم يخرج رئيس الحزب، سمير جعجع، ليدعو إلى المشاركة بشكل رسمي، لكن مجموعات القوات على «واتساب»، والحزبيّين الناشطين ضمن مجموعات الانتفاضة وزّعوا، بحسب بعض الناشطين، مذكرة إدارية بضرورة المشاركة. وتؤكد مصادر مطّلعة قيام القوات بحشد غير مسبوق في المناطق التي تحظى فيها بتأييد شعبي. بالتوازي، نشرت حسابات مواقع التواصل الاجتماعي التي تدور في فلك القوات وسمَ #مع_بكركي، رافقته صور لجعجع والراعي سويّاً وعبارات على غرار: «يا مع ولاية الفقيه يا مع بكركي»، «بكركي هي الأرزة ونحن خطها الأحمر»، «لكل احتلال بطريرك»، «ذاهب إلى حيث لا يجرؤ الآخرون».
التحرّك الذي تقوده القوات، يضم حزب الوطنيين الأحرار، لقاء سيدة الجبل (فارس سعيد)، حركة الاستقلال التي يرأسها النائب المستقيل ميشال معوض، الكتائب اللبنانية بشكل غير رسمي بحيث لم يصدر أيّ بيان، بل تُرك الخيار للمحازبين بالمشاركة أو لا، مجموعات من 17 تشرين كمجموعات من جل الديب، حركة المبادرة الوطنية، منصة بيراميد، الجبهة المدنية اللبنانية، أفنجرز، 128 (نظّمت هذه المجموعات سابقاً اعتصام قصر العدل للمطالبة بتطبيق القرارَين 1559 و1701). بالطبع غاب عن المجموعات الحاملة لشعارات الثورة والسيادة والاستقلال والإصلاح الاقتصادي والمالي وفصل الدين عن الدولة، أن البطريرك رسم خطاً أحمرَ حول أبرز رموز الانهيار والسبب الأساسي في سقوط الليرة واحتجاز أموال المودعين، حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.

السلاح أم الفدرلة؟
حُكي الكثير في الأيام الماضية عن «لقاء بريستول» جديد يتقدمه «السياديون» ذاتهم الذين شاركوا في لقاء البريستول عام 2004، لكن أيّاً منهم لا يسعه تعداد ولو بند واحد على جدول «المؤتمر الدولي» المنتظَر. حتى المقربون من بكركي لا يمتلكون جواباً واضحاً. قد يكون التفسير الأوضح جاء في مقال كتبه الوزير السابق سجعان قزي، يدّ البطريرك اليمنى في الوقت الراهن، تحدّث فيه عن «اضطرارات بديلة لإحياء الاقتصاد المناطقي وتعزيز الأمن اللامركزي والحفاظ على لبنانية المناطق» عبر «استعادة كل مكوّن استقلاليته الذاتية» أي بمعنى أوضح عبر الفدرالية، لأن «حزب الله المتقدم في مشروعه يحول دون تجاوب الشرعية». القزي فنّد ما يقصده البطريرك عند الحديث عن «مؤتمر دوليّ لمساعدة لبنان والتفاهم مع بعضنا». لكنّ الأمر لا يتعلق بالتفاهم حتماً، وبرأي القزي أن «ما من سلطة محليّة قادرة على حلّ الأزمة السياسية من دون حلّ معضلة السلاح» وأن «التدخل الغربي في لبنان كان دائماً إيجابياً وسلمياً… وأي تدخل أممي جديد سيعطّل مسبقاً أي اعتداء إسرائيلي»! ما قاله الوزير الكتائبي السابق هو العنوان المقبل لحملة بقايا قوى 14 آذار المجتمِعة تحت قبة بكركي: سلاح حزب الله أو الفدرلة والأمن الذاتي. لن يطول الوقت قبل تبنّي البطريرك الراعي لهذه العناوين طالما أن القزي هو «خيّاط» خطاباته، وصاحب طرح الحياد الإيجابي.

القوات والكتائب: «لم ندعُ… لكن نشارك»
يؤكد مسؤول جهاز التواصل والإعلام في القوات شارل جبور أن «الحزب لم يدعُ إلى التظاهرة بل الدعوة أتت من مجموعات مؤيّدة لموقف البطريرك. لم نوجّه دعوة رسمية للمحازبين ولم نفعل خلاف ذلك. المشاركة القواتية ستكون تلقائية انطلاقاً من علاقتنا القوية ببكركي على أن الحلّ الرئيسي الذي نطرحه هو الانتخابات النيابية المبكرة لكنّنا نلتقي مع الراعي على الأسباب الموجبة للجوء إلى المرجعيّة الدوليّة لتطبيق الدستور». أما مصادر الكتائب فتشير إلى مشروع القانون المقدّم باسمها في ما خصّ الحياد والتمسّك بالقرارات الدوليّة، وترى أنّ الحزب يلتقي والراعي على هذه الطروحات الوطنية: «لم ندعُ إلى المشاركة رسمياً لكن كتائبيّين كثراً سيتوجهون إلى بكركي حتماً». من جهته زار وفد من التيار الوطني الحر بكركي أول من أمس. ويقول النائب سيزار أبي خليل لـ«الأخبار» إن التيار «لم يبلغه عن مشاركة ولم يكن موضوعنا، وقد أخبرنا البطريرك أن التحرك لاحزبي». أما سبب الزيارة فهو «التواصل الطبيعي مع بكركي وقد استغليناها لتبديد الإشاعات وفبركات المصطادين في الماء العكر».

القزي، ذراع البطريرك اليمنى، يروّج للأمن الذاتي والفدرالية

وفي مسألة المؤتمر الدولي، «أوضحنا أننا لسنا ضدّ أيّ مساعدة تأتي إلى لبنان إذا كانت غير مشروطة بتنازلات سياسية مع ضرورة الانتباه إلى عدم استجلاب أصحاب الأجندات الذين سيؤثرون سلباً على مصالحنا وستكون حلولهم على حسابنا. نحن والبطريرك متّفقون على الحفاظ على الكيان اللبناني وتعدّده من هؤلاء».
بدوره، يشير سلمان سماحة الذي يعدّ أحد منظّمي المسيرة، إلى أن «مجموعات من الانتفاضة تتوجه لدعم البطريرك معنوياً عقب الهجوم الذي شُنَّ عليه». ألا يتعارض هذا الأمر مع مطالب الدولة المدنية وفصل الدين عن الدولة؟ «من يتوجّه إلى بكركي يسعى لتأييد موقف سياسيّ يتناسب وطروحات الثورة التي لا تتعارض مع المؤتمر الدولي والحياد. فغالبية مجموعات الثورة بدأت تستفيق إلى المشكلة الرئيسية العميقة التي تمنع قيام أيّ دولة أكانت مدنية أم غير مدنية».