غالب قنديل
أثار تسليم روسيا لرفاة جندي صهيوني قتل خلال الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982 إلى الإرهابي نتنياهو موجة كثيفة من التساؤلات والتفاعلات التي تناولت التحالف السوري الروسي ومدى احترام روسيا للسيادة السورية وهنا لا بد من القول انه أيا كانت الملابسات فإن طريقة التظهير الروسية لهذا الموضوع كانت رديئة وركيكة وتركت لرئيس حكومة العدو الصهيوني هامشا واسعا للتلاعب الإعلامي والسياسي مما اضطر القيادة السورية لنفي علمها كليا بعملية البحث عن الجثة التي قالت الرواية الروسية انه عثر عليها في مقبرة بمخيم اليرموك كانت فعليا تحت سيطرة عصابات الإرهاب من داعش والقاعدة لفترة زمنية طويلة قبل ان يحرر الجيش العربي السوري وحلفاؤه المنطقة ويجدوا عشرات القبور المفتوحة التي قام الإرهابيون بالتفتيش فيها عن جثث الجنود الصهاينة الثلاثة المفقودين بنتيجة التنسيق بينهم وبين المخابرات الصهيونية وثمة ما يوحي بأن الفريق الثالث المشارك هو المخابرات التركية التي كانت حاضرة في جميع مواقع التكفيريين في سورية وهي حاضنة الفلول التي تجمعت في إدلب أخيرا.
يمكننا الجزم أنه لو كانت القيادة السورية هي من يدير هذه العملية لاستثمرتها في تبادل لتحرير الأسرى السوريين والفلسطينيين والعرب في سجون العدو وفي مقدمتهم أسرى الجولان العربي السوري ولربما كان الدور الروسي عندها هو الوساطة في مفاوضات تبادل غير مباشرة لكن الواضح ان ما جرى كان في مسار مغاير كليا ويصح الاستنتاج ان القيادة الروسية وبكل صراحة ارتكبت هفوة واضحة في طريقة الإدارة والإخراج على حساب الحليف السوري وكان يمكن تدبر الأمور بشكل مختلف وأفضل ومن غير أي حرج او خطأ وسيكون التجاوب السوري مفهوما لو كان جثمان الجندي الصهيوني في قبضة السلطات السورية وطلبه الرئيس بوتين لاعتبارات تمس المصالح والحسابات الروسية ولن يكون التجاوب السوري في هذه الحال موضع استهجان امام اهمية ما قدمه ويقدمه الحليف الروسي لسورية ودولتها وجيشها وشعبها.
منذ البداية التي شهدنا فيها مبادرات روسية داعمة للدولة الوطنية السورية في مجابهة العدوان الاستعماري الذي استقدم عصابات الإرهاب متعددة الجنسيات وقادته الولايات المتحدة مباشرة كان واضحا لمن يفهم ان قاعدة التحالف مع روسيا هي التناقض مع الهيمنة الأميركية على المنطقة ومقاومة عصابات الإرهاب التكفيرية العابرة للجنسيات والحدود والتي تمثل تهديدا مباشرا لروسيا ولجوارها الآسيوي الذي انطلقت منه جماعات متطرفة عديدة إلى سورية ضمن حملة الحشد التي قام بها حلف العدوان بقيادته الأميركية وكانت تلك الحقيقة محور كلمة الرئيس فلاديمير بوتين في قمة دوشنبي لدول الرابطة المستقلة عشية إصداره الأمر للقوات الروسية الجوفضائية ولبعض الوحدات الخاصة بالتوجه إلى سورية فهو قال لزملائه في القمة “إننا ذاهبون للقضاء على هؤلاء الإرهابيين قبل أن ينتقلوا إلى بلداننا وعواصمنا” وعلى هاتين المصلحتين كمنطلق وجدت روسيا بعد انخراطها العسكري فرصا سياسية واستراتيجية واقتصادية كثيرة نتيجة موقفها الداعم لسورية ترجمته شراكات عديدة مع الدولة الوطنية السورية وتوجته مكانة روسيا القوية المتعاظمة في العالم ونفوذها الإقليمي الواسع وهي مزايا روسية مستجدة ارتكزت إلى الصمود السوري.
تحتفظ روسيا بعلاقاتها الخاصة مع الكيان الصهيوني وفي الداخل الروسي مجموعات ضغط صهيونية كما في داخل الكيان مجموعة كبيرة من المستوطنين الصهاينة الذين هاجروا بالأصل من روسيا خصوصا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ولهذه التشابكات مكانتها في حساب القيادة الروسية وثمة فرق بين شراكتنا مع روسيا في رفض الهيمنة ومقاتلة التكفيريين وبين الانتماء إلى محور المقاومة وفكرة التصدي للعدوانية الصهيونية التوسعية التي تجمع سورية بإيران منذ أربعين عاما فالموقف الروسي من الصراع العربي الصهيوني محصور بمساندة مفهوم التسوية السلمية والقرارات الدولية التي صدرت بعد العدوان الصهيوني في حزيران 1967 وفقا لأدبيات الدبلوماسية السوفيتية السابقة عن السلام العادل والشامل.
محور مقاومة الهيمنة الأميركية والشراكة في التصدي لعصابات الإرهاب التكفيري هو تحالف يجمع سورية بروسيا والصين والهند وغيرها العديد من دول العالم بينما محور المقاومة الذي يضم إيران وسورية وفصائل المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق واليمن هو تحالف شارك في الدفاع عن سورية وفي تحريرها من عصابات الإرهاب والتكفير ويضع ثقله في وجه العدو الصهيوني.
هذا التمايز تدركه القيادة السورية وتتعامل معه بكل حرص ودقة وعناية وهي عملت لتوسيع مساحات الشراكة بين اطراف محوريها الكبيرين وتصرفت بحكمة عالية من خلال عدم الانجرار إلى أي سجال علني مع الحليف الروسي بل اكدت موقفها المبدئي ونفت أي علاقة لها بعملية تسليم الرفاة وهي صادقة حكما في ما تقول وقد اعتبرت ما جرى تأكيدا لحقيقة ارتباط الجماعات الإرهابية بالعدو وهو الأمر الذي كشفته بكل وضوح معارك تحرير الجنوب السوري وثمة الكثير مما قيل او سيقال في القنوات الخاصة السورية الروسية عن هذه القضية دون ترك أي ثغرة تنال من متانة الحلف الاستراتيجي بين البلدين.
العلاقات الدولية عبر التاريخ حكمتها المصالح والمصالح المشتركة مع روسيا هي قاعدة التحالف والقتال المشترك ضد عصابات الإرهاب التكفيري وضد الهيمنة الأميركية اما الصراع ضد العدو الصهيوني فهو خيار عربي سوري مشترك مع إيران في إطار محور المقاومة وقد كشفت مسألة تسليم بقايا جثة الجندي الصهيوني لنتنياهو سوء فهم عند كثيرين لهذه المسافة وظهر انحرافان كبيران الأول هو اتجاه يقول إن روسيا صاحبة جميل على سورية ولا يجوز انتقادها وهذا رأي خاطيء فخصوصية التناقض مع العدو الصهيوني هي محدد حاسم في الموقف السوري يجدر بالحليف الروسي مراعاتها والانحراف الثاني هو الجحود بالدور الروسي المهم الذي انطوى على تضحيات جليلة أثمنها ضباط وجنود روس قدموا أرواحهم دفاعا عن سورية … المطلوب هو نظرة واقعية بلا اوهام وميزان الرئيس بشارالأسد أدق مما يتخيل الجميع.