في افتتاحية صحيفة الاخبار تحت عنوان عون ــ الحريري: إلى القطيعة دُر، كتبت الصحيفة:
“ما حصل في أقل من نصف ساعة في قصر بعبدا، أمس، بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، انتهى إلى أسوأ مما كان متوقعاً. لم يتوهم أحد أنهما سيتّفقان. إلا أنّ أيّاً لم يحسب أيضاً أنهما سيتخاطبان بمثل ذلك الانفعال
أذِنَ ارفضاض الاجتماع الثامن عشر بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري على نحو ما جرى، ثم السجالان المتبادلان على الأثر، فتوزيع اللوائح، بالقول إنهما دخلا مجدداً في قطيعة تشبه الأيام الخمسين ما بين اجتماعَي 23 كانون الأول 2020 و12 شباط 2121. تالياً، لا حكومة في مدى قريب. وقد يكون أبسط مؤشر الى أولى طلائع القطيعة وانقطاع أيّ تواصل محتمل بين الرئيسين، ما تردّد مساء أمس وشاع عن أن الحريري غادر بيروت.
الوجه الآخر للقطيعة أن كلاً منهما لم يعد يكتفي بالتشبّث بوجهة نظره، بل باتت الثقة بينهما معدومة تماماً، كما لو أنها لا تحتملهما في سلطة إجرائية واحدة صارت على ما يبدو من المستحيلات. الاثنان مصرّان على النزال في المواجهة إلى النهاية: لا رئيس الجمهورية مستعد للتخلّي عن دوره كشريك فعلي في الوصول إلى تأليف الحكومة، ولا الرئيس المكلف في وارد الاعتذار عن عدم تأليفها. مآل ذلك أن الداخل، من دون صدمة غير محسوبة، لم يعد يصلح لإخراج البلاد من المأزق المكلِف. وقد لا يكون مبالغاً به الاعتقاد أن كليهما سيتبادلان في الساعات المقبلة مزيداً من الضغوط، لن يكون الشارع والنقد الوطني في منأى عنها، ولن تفسح للأفرقاء الآخرين في أن يكونوا على الحياد ما بين عون والحريري.
منذ الدقائق الأولى لاجتماع النصف ساعة، بدا متوتراً موشكاً على الانفجار، مشوباً بالاستفزاز. قال الحريري لعون إنه يرفض تلقّي رسالة تحدّد له آليّة تأليفه الحكومة، هو صاحب الصلاحية الدستورية بذلك.
ثم خاطبه بالقول: لستَ أنت من يؤلّفها، بل أنا صاحب الصلاحية. إما توافق عليها أو لا تفعل.
جواب رئيس الجمهورية أن الدستور يجعل منه شريكاً في مسار تأليف الحكومة استناداً الى نصوصه، كما الى الميثاق.
أضاف: لن أتنازل عن صلاحياتي الواردة في الدستور على أنني شريك، كما عن دوري كرئيس للدولة في المحافظة على الميثاق وتوازن الحكومة، وخصوصاً في غياب الكتل المسيحية. أنا شريك في تأليف الحكومة انطلاقاً من كوني معنياً ومسؤولاً عن بناء السلطة وتكوينها.
بانتهاء الاجتماع، خرج الرئيس المكلف كي يقرأ بياناً مكتوباً، ما عنى أنه أعدّه سلفاً توطئة للقطيعة وإيصاد أبواب التفاوض.
نجمت عن فشل اجتماع الرئيسين وانهيار أي فرصة لتفاهمهما، بضعة معطيات يفترض أن تمهّد لمزيد من التصعيد السياسي في الساعات المقبلة. على الأقل ذلك ما استخلصته الرئاسة اللبنانية:
أوّلها، لم تعد المشكلة في تأليف الحكومة، بل أضحت صراعاً على الصلاحيات الدستورية ومحاولة فرض قواعد جديدة في تطبيقها. ما يريده الرئيس المكلف تكريس سابقة فرض مسوّدة حكومية على رئيس الجمهورية، كي يوقّعها ويصدر مراسيمها، ويسلّم له بصلاحية دستورية مطلقة في التأليف، الأمر الذي يرفضه رئيس الجمهورية، وكذلك تجريده من المشاركة التي تنيطها بهما المادة 53 والمادة 64 من الدستور، وإن في مرحلتين متعاقبيتين: أولى يتولاها الرئيس المكلف بوضع مسوّدة الحكومة، وثانية اتفاقه مع رئيس الجمهورية عليها وتحققهما من مطابقتها الميثاقية كي يوقّعاها.
مقدار ما يحاول الحريري تهميش الشق الثاني في الصلاحية تلك كي يحصر مراحل التأليف كلها به ويسجّل بذلك سابقة للمستقبل يقتدي بها خلفاؤه، يتصلب عون فيها ويربط ما بين حقه الدستوري في المشاركة وصلاحيته في الإصدار وتوقيع المراسيم. من ذلك استنتاج عون أن الحريري لا يريد تأليف حكومة في الوقت الحاضر على الأقل، لأسباب تتجاوزه. يطرح على رئيس الجمهورية ما يتوقّع سلفاً أنه سيرفضه، ويُغرق التأليف في سجالات دستورية يعرف في نهاية المطاف أن توازن القوى الداخلي يحول دون فرضها، كما أن الصلاحية الفعلية المنوطة بالرئيس ــــ المعبَّر عنها بتوقيعه المراسيم الذي يفترض سلفاً موافقته على الصيغة الحكومية ــــ تعطّل أي التواء في تفسير آليّة التأليف.