لا يزال ملف ترسيم الحدود البحرية مع «فلسطين المُحتلة» ومشروع تعديل المرسوم 6433، يتقدّم واجهة التطورات، وخاصّة بعدَ دخوله في قلب النزاعات السياسية. وبعدما كشفت «الأخبار» أمس عن خطوط للحدود، تعمَد قيادة الجيش الى إدخالها في إطار التفاوض كحل وسط يعطي لبنان نحو 1300 كيلومتر مربع بدلاً من 2290 (راجع «الأخبار»، الثلاثاء 20 نيسان 2021) سارع الجيش الى نفي الخبر، مؤكداً أن «الوفد المفاوض مستمر في أداء مهمته في المفاوضات التقنية غير المباشرة بالتنسيق الكامل مع السلطات الرسمية ذات الصلة، على أساس الدراسة المُعدّة في قيادة الجيش والتي طرحت خلال جلسات التفاوض وفقاً للقانون الدولي، والقائمة على أسس علمية وقانونية ومثبتة وفقاً للأدلّة والدراسات المعدّة لدى مصلحة الهيدروغرافيا في قيادة الجيش».
اللافت أن بيان قيادة الجيش، الذي صدر كنَفْيٍ، لم يُكذّب ما نشرته «الأخبار»، بل تناول نقطة أخرى، ولا سيما أن المعلومات التي نُشرت لم تذكر أن وفد التفاوض قدّم اقتراحاً جديداً على طاولة المفاوضات، بل كشفت أن قيادة الجيش اقترحت خطاً جديداً على رئيس الجمهورية. وتؤكد المعلومات أن «قائد الجيش العماد جوزف عون أرسل الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بتاريخ 16 من الشهر الجاري تقريراً عن الخط الجديد، وبعد ثلاثة أيام تولّى فريق من الجيش شرح الفكرة للرئيس في لقاء عقد في بعبدا»، وهي فكرة تقوم على قاعدة أن نتيجة المفاوضات لا شك ستكون تراجعاً عن الخط 29، لكن المطالبة به ستجبر العدو الإسرائيلي على العودة إلى المفاوضات، على أن يتمّ طرح الخط الجديد «كحل وسط يرضي جميع الأطراف».

قائد الجيش أرسل إلى عون تقريراً عن الخطّ الجديد يوم 16 نيسان

التخبّط اللبناني، في ما يتعلّق بإدارة الملف، جعلَ أكثر من جهة تدخل على الخط، من بينها لجنة «الإدارة والعدل» التي سبق أن عقد رئيسها النائب جورج عدوان مؤتمراً صحافياً للتشديد على ضرورة توقيع تعديل المرسوم. وقد عقدت اللجنة أمس جلسة خاصة لمناقشة المقاربة التي يجب أن تعتمد لتعديل المرسوم 6433 المتعلق بترسيم الحدود. وقال عدوان بعد الجلسة «قرأنا وشاهدنا وسمعنا في وسائل الإعلام أن هناك تبديلاً في موقف الوفد اللبناني المفاوض حول اعتماد خط آخر غير الخط 29. وعند قراءة هذه الأخبار، تواصلت مع وزيرة الدفاع الوطني أولاً، وهي أكدت لي أن هذا أمر غير صحيح إطلاقاً، وأن الموقف لم يتغيّر وهو مبني على أسس علمية وقانونية، وبالتالي من غير الطبيعي أن يتبدّل أو يتغيّر». ولفت الى أن «اللجنة تقف خلف الوفد المفاوض ومطلبه المحق القانوني والتقني المبني على القانون وعلى معطيات علمية موثقة. وبنتيجة الحديث عن هذا الموضوع، تُحمّل اللجنة الحكومة المستقيلة المسؤولية الكاملة لكي تجتمع فوراً وتتخذ قراراً بتعديل المرسوم 6433 تحت طائلة المساءلة الدستورية بالإخلال بالواجب الوطني». مطّلعون على أجواء الجلسة، أشاروا إلى أن عدوان كان قد دعا وزيرة الدفاع زينة عكر لحضور الجلسة، لكنها لم تستطِع لأسباب خاصة، مقترحة إرسال ممثل عنها، وهو العقيد البحري مازن بصبوص، لكنه رفض. وأكّدت المصادر أن عكر لم تنفِ لعدوان ما نشرته «الأخبار».

رئيس الجمهورية يرفض إلغاء الدعم قبل تأمين البطاقة التموينية

من جهة أخرى، يقطّع لبنان أسبوعاً جديداً من دون حكومة، ولا يبدو حتى الساعة وجود مؤشرات كافية تدلّ على أن لدى الأطراف المعنيين النية للتوافق على مخارج للمأزق، رغم وجود دفع خارجي. وبينما تظهر القوى السياسية كمن أخذت «عطلة» من موضوع الحكومة، في ظل تأكيد أكثر من مصدر مطّلع أن «لا مبادرات أو اتصالات يُبنى عليها»، تتزايد المخاوف من استمرار انهيار الدولة وعدم القدرة على استيراد الدواء والغذاء والمحروقات، وتتزايد معها التحذيرات من انفجارات أمنية وشعبية مع اقتراب رفع الدعم في الأشهر المقبلة. وعليه، يتقدّم النقاش حول فكرة البطاقة التموينية، وهناك توجّه الى اعتماد خطّة لتوزيع نحو 750 ألف بطاقة على 750 ألف عائلة، فيما الخلاف لا يزال حول قيمة المبلغ الذي ستستفيد منه الأسر، إضافة إلى مصدر تمويلها. وزير الاقتصاد راوول نعمة يريد أن يقتصر المبلغ الشهري لكل عائلة على مليون و300 ألف ليرة لبنانية، بينما يطالب الوزراء بمبلغ مليون و800 ألف ليرة. وإلى الآن، يواجه مشروع هذه البطاقة مشكلة غياب مصادر التمويل، علماً بأن رئيس الجمهورية يرفض إلغاء الدعم قبل تأمين البطاقة. وعلمت «الأخبار» أن زيارة رئيس الحكومة حسان دياب الأخيرة لقطر تأتي في إطار البحث عن مصادر تمويل. وفي ختام زيارته، قال دياب في بيان إن «الدوحة لم تتخلّ يوماً عن محبّتها للبنان. لقد تباحثنا مع سموّ الأمير ومع دولة رئيس مجلس الوزراء والمسؤولين هنا في الشؤون العربية، وانعكاسات غياب التضامن العربي على الأزمة اللبنانية، وكان هناك تأكيد ضرورة عودة العرب الى كنف الأخوّة، لأن المخاض الذي تعيشه المنطقة يحتاج الى أعلى درجات التنسيق بين الأشقاء، ولأن تداعيات هذا المخاض ستكون خطيرة على الدول العربية، تحديداً، وتهدد حاضرنا ومستقبلنا».
وأشار إلى أن «لبنان يمر بمرحلة صعبة، ويفتقر الى جهد عربي موحد، وإلى دور يجمع اللبنانيين ويحضّهم على التلاقي والتفاهم، ويقطع الطريق على الاستثمار في خلافاتهم». وأكد أننا «وجدنا في الشقيقة قطر ما نبحث عنه، حيث تمّت لقاءاتنا في إطار من الأخوّة غير المستغربة، وأكدت لنا دولة قطر موقفها الثابت من دعم لبنان وشعبه وأمنه واستقراره».