د. عصام نعمان
بعد فوز بنيامين نتنياهو بوعوده وتوعّداته في الإنتخابات، ينهض سؤال ملحاح : هل ثمة حرب قريبة ؟
تطورات واستحقاقات متعددة سبقت الإنتخابات وأعقبتها ترجّح إندلاعَ حربٍ ، ابرزها ثلاثة :
اولها ، شعور اسرائيلي بالخطر وعدم الامان وبالتالي حساسية وتحسّب متزايدين حيال تعاظم قدرات حزب الله ولاسيما في عدد الصواريخ الموجّهة وترفيع دقة تصوبيها والمهارة في استعمالها.
ثانيها ، إقتناع دونالد ترامب بأن ايران نجحت في تجاوز تداعيات العقوبات الإقتصادية كما في تطوير صواريخ باليستية بعيدة المدى تهدد امن “اسرائيل” ما دفعه الى تعظيم تهويله على طهران بإتهام الحرس الثوري بأنه تنظيم ارهابي على صلة بـِ “القاعدة” ويستوجب المواجهة ، وتأكيده على تشديد فعالية حصاره لإيران بإطلاق وجبة جديدة من العقوبات الإقتصادية في مطلع شهر ايار/ مايو المقبل.
ثالثها ، تخوّف نتنياهو من التداعيات الجزائية لمخالفاته الفاضحة للقانون وخيانته الأمانة بقبوله رشوة لإمرار شراء غواصات من المانيا الامر الذي قد يدفعه الى محاولة التغطية عليها بإعلان ضم المستوطنات في الضفة الغربية الى الكيان الصهيوني وإخضاعها تالياً للسيادة الإسرائيلية ، وهو إجراء سيؤجج نقمة الفلسطينيين ويحّفز بعض فصائل المقاومة في قطاع غزة كما في الضفة على الردّ بقوة وفعالية.
هذه التطورات والإستحقاقات تنطوي على مخاطر وتحديات واضرار بالغة قد يدفع بعض اللاعبين المقتدرين في استشراف المشهد الإقليمي الى التروي وبالتالي الى كبح جماح القوى والعناصر المتشددة تحسباً لخسائر فادحة يمكن تفاديها .
في هذا المجال ، يمكن رصد إعتبارات وكوابح عدة :
صحيح ان “اسرائيل” قلقة من تنامي قدرات حزب الله ، ولاسيما لجهة نجاحه في تصنيع صواريخ موجّهة وترفيع دقة تصويبها ، ونجاحه تالياً في إقتناء عدد كبير منها ما يشكّل تهديداً ماثلاً لأمنها ولسلامة كيانها ، إلاّ ان قدرتها على اتخاذ قرار الحرب لتدمير بنى المقاومة وآلياتها ذات الصلة يبقى مردوعاً بكوابح موضوعية فاعلة لأسبابٍ عدّة :
(أ) وجود قيادة حكيمة وشجاعة لدى حزب الله قادرة على إتخاذ قرار الردّ الرادع وتحمّل عواقبه وتداعياته . تجلّت هذه الميزة في حرب العام 2006 ، ويمكن ان تتجلّى مرةً اخرى في ايّ حرب قادمة.
(ب) صعوبة قيام “اسرائيل” بإستفراد حزب الله ، ذلك لأن إقتناع قيادة اطراف محور المقاومة بأن استهدافه هو حلقة من سلسلة حلقات لإستهداف كلٍّ من اطرافه الاخرى ، سيدفعها الى تنظيم “ردٍّ ثلاثيّ” متكامل على العدوان بحسب التلميح الى ذلك في الوسط الإعلامي القريب من قيادة حزب الله.
(جـ) ثبوت قدرة فصائل المقاومة في لبنان وقطاع غزة على إلحاق اذى فادح بـِ “اسرائيل” الأمر الذي يحملها ، رغم تفوّقها في القدرة التدميرية ، على تفادي الإنزلاق الى حربٍ مدمرة طالما ان الثمن الذي ستضطر الى دفعه سيكون باهظاً ويمكن تفاديه باللجؤ الى خياراتٍ اقل كلفة. هذا مع العلم ان كلفة “اسرائيل” ستكون مضاعفة اذا تطوّر الإشتباك على نحوٍ يؤدي الى اشتراك الجيش السوري ووحدات فيلق القدس المتمركزة في سوريا بالتصدي للعدوان الإسرائيلي.
(د) نزوع “اسرائيل” الى شن حربٍ شاملة على اطراف محور المقاومة مشروط ، اذاً ، بمشاركة الولايات المتحدة فيها ، وهو امر مستبعد نظراً لإنشغال ادارة ترامب ، داخلياً وخارجياً ، بجملة اولويات وعمليات ذات طابع استراتيجي تستوجب عدم الانزلاق الى مستنقعات صراعات اقليمية مكلفة اقتصادياً وسياسياً في حين يمكن الإستعاضة عنها بتدابير وتحركات وعمليات وفتن وحروب اهلية أقل كلفة واكثر فعالية.
في ضوء هذه الإعتبارات والكوابح ، تبقى الحرب إحتمالاً مرجّحاً ومؤجلاً في آن ، وتثابر “اسرائيل” ، ومن ورائها الولايات المتحدة ، على إعتماد سياسة “المزيد من الشيء نفسه” ، اي متابعة ما تقوم به حالياً من عمليات موضعية ذات مردود سياسي وعسكري مجزٍ . فهي منخرطة في دعم التنظيمات الإرهابية الاسلاموية الضالعة في حرب استنزاف سوريا والعراق ، وتأجيج النزاعات بين فئات مجتمعاتهما التعددية بغية الوصول الى تقسيمهما وإضعافهما واخراجها من دائرة الصراع . وهي ممعنة في اعتماد مخطط الإستيطان المنهجي الذي يتناول معظم مناطق الضفة الغربية. وهي تبدو مصممة على قضم المنطقة “ج” من الضفة وإخضاعها لسيادتها . وهي منهمكة في توجيه ضربات “تأديبية” لفصائل المقاومة في قطاع غزة بقصد ردعها عن تهديد وإيذاء المستوطنات القائمة في محيطه من دون التسبب في انهيارها وذلك لضمان سيطرتها على القطاع منفصلاً ادارياً وسياسياً عن الضفة الغربية . وهي حريصة على الحصار المضروب على القطاع بقصد شل فصائل المقاومة والضغط على السكان بغية انتقاء احد “خيارين” كلاهما مرّ : البقاء في سجن كبير مكتظ او الهجرة . وهي ناشطة في حملةٍ واسعة لتشجيع المزيد من الدول العربية على تطبيع العلاقات معها وصولاً الى الإعتراف وتبادل السفراء.
الى ذلك كله ، تحرص القيادات الإسرائيلية ، المدنية والعسكرية ، على انتهاز حال الضعف والإنحطاط العربيين لتحقيق أوسع استثمار سياسيي واقتصادي ممكن على حساب حقوق العرب ومواردهم وقدراتهم في شتى المجالات .
… ويبقى سؤال خالد : متى وكيف يخرج العرب من انحطاطهم المزمن ؟