الرئيسية / مقالات / المصارف “تشفط” الدولارات من السوق

المصارف “تشفط” الدولارات من السوق

 

مجدداً، تلجأ المصارف إلى السوق، والمضاربة على سعر الدولار، بهدف تمويل جزء من التزاماتها. منذ أن صدر ‏تعميم مصرف لبنان القاضي برد “نتف” من أموال المودعين (400 دولار نقداً، وما يعادل 400 دولار بالليرة ‏اللبنانية، شهرياً، لمدة عام واحد)، بدأ عدد كبير من المصارف بشراء دولارات من السوق، على حد تأكيد عاملين في ‏القطاع المصرفي، بينهم أصحاب بنوك. وبحسب هؤلاء، كان شراء المصارف دولارات من السوق عاملاً رئيسيّاً في ‏ارتفاع سعر الدولار ألفَي ليرة في أسبوع واحد، من 13450 ليرة يوم 7 حزيران الجاري، إلى 15500 ليرة أمس. ‏وتعني هذه العملية أن البنوك قررت رد جزء من أموال المودعين، عبر الدولارات الموجودة حالياً بين أيدي عموم ‏السكان، بدل اللجوء إلى ما هو موجود لديها‎!‎

تشرح المصادر العاملة في السوق أن قرار حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، حجب “دعم الاستيراد” عن عدد ‏من السلع، كما “تقنين” الدعم عن سلع أخرى، دفع بعدد من التجار إلى طلب الدولارات من السوق، ما ساهم في ‏ارتفاع سعر العملة الصعبة. فهؤلاء التجار لا يجدون حاجتهم من الدولارات ــــ سواء تلك اللازمة للاستيراد، أو ‏التي يخصصونها لـ”حماية” أرباحهم عن تحويلها من الليرة إلى العملة الأميركية ــــ في منصة “صيرفة” التي ‏أطلقها مصرف لبنان، فيلجأون إلى دولارات السوق. يُضاف إليهم اتجاه كثيرين إلى تخزين الدولارات ما أمكن، ‏لأنهم يعتقدون بأن قيمة العملة الصعبة سترتفع باطراد مستقبلاً، وخاصة بعد إلغاء الدعم بالكامل‎.

لكن المصادر المصرفية تجزم بأن ما خلق موجة ارتفاع السعر بقيمة ألفي ليرة في أسبوع واحد، هو أداء ‏المصارف. فجزء كبير من التجار يعوّل على سعر منصة “صيرفة”، كونه أقل من سعر السوق، ويفضّلون ‏انتظار الموافقة على منحهم الدولار بـ 12000 ليرة على شرائه من الصرافين بسعر أعلى. كما أن عملية تحويل ‏الأرباح إلى دولارات لا تزال مستمرة بالوتيرة السابقة نفسها، ولم تشكّل ضغطاً إضافياً على سعر الليرة. وتشير ‏المصادر إلى التزامن اللافت بين بدء تسرّب الأخبار عن تعميم مصرف لبنان بشأن دفع 400 دولار شهرياً ‏للمودعين، وبدء تحرّك سعر العملة الأميركية صعوداً، وصولاً إلى الإعلان رسمياً عن الخطوة الذي شكّل نقطة ‏انطلاق الموجة الجديدة من تحليق الدولار‎.‎

وتشرح المصادر بأن المصارف، التي ألزمها تعميم مصرف لبنان بأن تتولى تأمين نصف المبلغ المطلوب دفعه ‏لكل مودع (200 دولار شهرياً، على أن يؤمّن مصرف لبنان النصف الثاني)، قررت اللجوء إلى السوق لتوفير ‏جزء من هذه الدولارات. وهي بدأت جمع الليرات من السوق، لأن الحصول عليها من مصرف لبنان يرتّب عليها ‏كلفة تراها باهظة‎.

جزء من البنوك (بعضها من أكبر مصارف لبنان) يحصل على الليرات عبر بيع شيكات، بعمولة وصلت مطلع ‏الأسبوع الفائت إلى 9 في المئة (مقابل شيك مصرفي بمليار ليرة، يحصل المصرف من “تاجر العملة” على 910 ‏ملايين ليرة)، قبل أن تنخفض نسبة العمولة إلى 6 في المئة. وهذه الليرات تُخصص إما لتمويل دفع الـ 400 دولار ‏التي سيحصل عليها المودِع بالعملة الوطنية؛ فيما الجزء الآخر يُخصّص لشراء دولارات من صرّافين، لتأمين ‏الدولارات النقدية التي ستُسدّد شهرياً لأصحاب الودائع‎.

وتشبّه مصادر واسعة الاطلاع في سوق الصيرفة والاتجار بالعملة، ما يجري منذ مطلع الأسبوع الفائت، بما ‏جرى في الأيام الأخيرة من شهر شباط الماضي، عندما تهافتت المصارف على دولارات السوق، مسببة بارتفاع ‏سعر النقد الأميركي بنسبة كبيرة، وبخلق موجة صعود للدولار استمرت لأسابيع. فحينذاك كانت المصارف تريد ‏الحصول على الدولارات، من أجل تأمين نسبة 3 في المئة من الأموال المودعة لديها بالعملات الأجنبية، وفتح ‏حسابات بها في مصارف المراسَلة في الخارج. وبدلاً من اللجوء إلى استخدام الأموال التي أخرجها أصحاب ‏البنوك من لبنان سابقاً، قرروا الضغط على سعر الصرف عبر شراء الدولارات من السوق المحلية. أما اليوم، ‏وفيما سمح لها مصرف لبنان باستخدام جزء مما كوّنته في الخارج (نسبة الـ 3 في المئة) لرد “نتفة” من الأموال ‏للمودعين، قرر كثير من البنوك اللجوء إلى السوق، لشراء الدولارات، بدلاً من “المس” بما بات لديها في ‏المصارف الأجنبية التي تتعاون معها (مصارف المراسلة‎).
إضافة إلى ما سبق، تتحدّث المصادر عن استمرار عدد صغير من المصارف بشراء الدولارات من السوق، ‏بالوتيرة نفسها التي كانت سابقاً، إما لتمويل ما تسميه التزامات خارجية، وإما في محاولة منها لتأمين حسابات الـ ‏‏3 في المئة التي كان ينبغي أن تكوّنها قبل نهاية شباط الفائت‎!‎

الأخبار

شاهد أيضاً

قصّة إنهيار البورصة العالمية وارتباطها بالتحديات الجيوسياسية

  إستفاق العالم على خبر إنهيار في البورصات العالمية، نتيجة الخوف المستجد من تباطؤ الاقتصاد …