الموقف القوي والحازم الذي أعلنه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من موضوع محاربة الفساد، في حفل إطلاق الحملة الوطنية لاستنهاض الاقتصاد اللبناني، يأتي في توقيته ليتكامل ويعزّز الموقف الذي أعلنه أمين عام حزب الله سماحة السيد حسن نصرالله، في ذكرى تأسيس هيئة دعم المقاومة الإسلامية، لناحية خوض المعركة ضدّ الفساد حتى النهاية من دون هوادة أو مساومة، ويؤشر إلى وجود قرار كبير لدى قوّتين مهمّتين لهما وزنهما الشعبي والسياسي والنيابي والحكومي، في خوض معركة محاربة الفساد والفاسدين وعدم التهاون أو المساومة في هذا الأمر لا من قبل حزب الله ولا من قبل التيار الوطني الحر، خصوصاً أنّ هذا القرار يصدر عن أعلى مستوى لديهما.. على أنّ ما أعلنه رئيس الجمهورية في هذا المضمار جاء بمثابة تأكيد جديد لما كان أعلنه السيد نصرالله من حزم في مواجهة من يسعى إلى وضع العراقيل لإجهاض معركة محاربة الفساد، وبالتالي الحيلولة دون التجاوب مع طلبات القضاء من المتهمين في قضايا فساد المثول أمامه لمساءلتهم والتحقيق معهم بشأن طريقة إنفاق المال العام… فقد قال الرئيس عون حرفياً »لقد وعدت ببناء الاقتصاد اللبناني ومكافحة الفساد ومعالجة وضع النازحين»… وأضاف «يجب أن يعلم الجميع أن لا حصانة لأحد، وقد كنت أنا أوّل المتهمين بملف فارغ ولم أتوسّط أحداً لإظهار براءتي»، وطالبت «التيار الوطني الحر الذي كان يتظاهر بوجه الوجود السوري في لبنان ألا يتظاهر لأجل المطالبة ببراءتي التي بيّنها في ما بعد القضاء».. وشدّد الرئيس عون على أنّ «كلّ متهم عليه أن يمثل أمام القضاء، وإلا نكون أمام مشكلة كبيرة والشعب اللبناني عليه أن ينتقل إلى شعب مقاوم، مقاومة من أجل تحصين الاقتصاد، يشتري من إنتاجه ويأكل مما يزرع».. واكد «انّ الفساد هو أكبر ضرر نواجهه في لبنان، ولا حصانة لأحد في معركة مكافحة الفساد»، مشيراً الى انّ «المتهم يذهب الى القضاء، ومن خلال القضاء فقط تثبت التهم او تؤخذ البراءة».
انّ هذا الموقف لرئيس الجمهورية يؤكد جملة من الأمور المهمة:
الأمر الأول: تبديد الشكوك حول وجود تسوية ببن التيار الوطني الحر وتيار المستقبل جرى الترويج لها قبيل انتخاب الرئيس عون لرئاسة الجمهورية، تقضي بطيّ صفحة المطالبة بقطع الحساب في المالية العامة، وقد جاء تبديد هذه الشكوك أيضاً من قبل رئيس التيار الوطني الوزير جبران باسيل بالتزامن مع الموقف الذي أطلقه رئيس الجمهورية…
الأمر الثاني: أنّ المعركة ضدّ الفساد والفاسدين إنما هي معركة جدية وليست مجرد إعلان مواقف لرفع العتب سرعان ما تتلاشى أمام أيّ صعاب تعترضها في الطريق.. لا سيما أنّ الرئيس عون والسيد نصرالله قد وضعا ثقلهما في هذه المعركة وبالتالي رصيدهما ومصداقيتهما، وإلا لما كانا مضطرين لقيادة المعركة وتحمّل المسؤولية المباشرة في هذه المعركة واعتبارها معركة وطنية يتوقف عليها إنقاذ البلاد والاقتصاد من خطر الانهيار…
الأمر الثالث: التأكيد على أنه لن يكون هناك حصانة لأيّ كان مهما علا شأنه.. فإذا كان الرئيس عون قد مثل أمام القضاء، إثر عودته من باريس، لإظهار براءته من التهم التي نسبت إليه، فكيف يحق لأيّ رئيس أو وزير أو موظف عدم الاستجابة لطلب القضاء لتأكيد براءته… إلا اذا كان ضالعاً في ارتكابات ويخاف من ثبوت الاتهامات بحقه وبالتالي توقيفه ومحاكمته…
الأمر الرابع: إنّ خوض معركة محاربة الفساد قضية وطنية لا تعني فقط حزب الله ورئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر، وإنما هي معركة وطنية تعني كلّ اللبنانيين من كلّ الطوائف والمذاهب لأنّ الفاسد لا دين له ولا انتماء وطني.. غير أنّ خوض هذه المعركة يستدعي تكاتفاً واستنفاراً من كلّ القوى السياسية وهيئات المجتمع المختلفة صاحبة المصلحة في محاربة الفساد، وفي أحداث تغيير حقيقي في سياسات الطبقة السياسية التي أنتجت الفساد على مرّ العقود الماضية.. انّ النجاح في معركة محاربة الفساد والفاسدين إنما يسهم في إضعاف هذه الطبقة السياسية ويوفر ظروفاً ومناخات لإحداث تغيير سياسي واقتصادي واجتماعي في بنية النظام اللبناني المسؤول عن توليد الأزمات..
من هنا فإنّ الأولوية الوطنية في خوض معركة محاربة الفساد تتكامل مع معركة تغيير السياسات الريعية الليبرالية التي همّشت الاقتصاد الإنتاجي كما قال رئيس الجمهورية، وتتطلب مقاومة مماثلة في أهميتها لمقاومة الاحتلال، هكذا تطابق الرئيس ميشال عون مع ما قاله السيد نصرالله من أنّ محاربة الفساد مقدّسة كما هي مقاومة الاحتلال.. فتحرير الأرض وجني ثمار النصر لا يكتمل إلا بنجاح مقاومة الفساد في الداخل في تحقيق أهدافها… وبناء دولة العدالة والقانون والمؤسسات…