الأب الياس كرم – خاص النشرة
إطلالة جريئة
اذا تمعّنا في الكتب السماوية، لغرفنا منها الكثير فيما خصّ موضوع الحشمة والإحتشام. وعلى سبيل المثال، يكتب بولس الرسول في رسالته إلى تيموثاوس: “وَكَذلِكَ أَنَّ النِّسَاءَ يُزَيِّنَّ ذَوَاتِهِنَّ بِلِبَاسِ الْحِشْمَةِ، مَعَ وَرَعٍ وَتَعَقُّل، لاَ بِضَفَائِرَ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ لآلِئَ أَوْ مَلاَبِسَ كَثِيرَةِ الثَّمَنِ”(1 تي 2: 9). هذا الكلام يمكن أن تستوعبه نساء يفهمن حضور الله في حياتهم، كمسلّمة لا يسوغ المساومة فيها، أو عليها.
ولا يفوت على قارئ الكتاب المقدّس أن الله خلق الإنسان عاريًا، ومع ذلك لم يخجل من عريه ولا شعر به. بل كان ينظر إلى جسده نظرة بريئة مقدّسة. أمّا بعد السقوط اكتشف الإنسان حالة العري وشعر بالخجل. إنها الخطيئة إذًا التي أحدثت فجوة بين الله والإنسان. إكتشاف العري كان بسبب الخطيئة، فيقول الكتاب المقدس، “فانفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانان فخاطا أوراق تين وصنعا لأنفسهما مآزر… فنادى الرب الإله آدم وقال له أين أنت. فقال سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان فاختبأت”(تك 3: 7 – 1).
إن الخطيئة أشعلت الغرائز وأعطتها الحدة والجموح. كما أثّرت في القلب والفكر، فحرمتهما نقاوتهما الأولى، كما سلبت العينين طهارتهما وبساطتهما، فسرعان ما لجأ الإنسان إلى تغطية جسده بأوراق التين، وكان يظن أن هذا سوف يستر على خطيئته ويغطّي على إثمه، ولم يعلم أنه يحيا في حضرة، الذي كل شيء عريان ومكشوف أمام عينيه(عب 4: 13). هذه التغطية التي يصنعها الإنسان لجسده دون الرجوع لله، نسميها “الحشمة الكاذبة”.
لهؤلاء الذين يتستّرون بأوراق التين، لا يظننّ أحدٌ منهم أن الله غير مدرك لنوايهن، بإطلالتهن الجريئة، والتي تتزايد وتيرتها يومًا بعد يوم. علّنا نرجع يومّا إلى الحالة الفردوسية، وعندها لن تشعر الناس بعريكم.
يُلاحظ في الآونة الأخيرة تزايد ظاهرة استعراض صور جريئة، لفنّانات وملكات جمال ووصيفاتهن، بالإضافة إلى وجوه سيدات مشهورات وإعلاميات، تحت عنوان: إطلالة جريئة، وكأن لغة الجسد باتت السمة البارزة في هذا الزمن.
قد يستغرب البعض أن أتناول هذا الموضوع، رغم إحترامي لعالم الموضة والفن الراقي، وان ما أكتبه تطفلًا على الكهنوت، إذ هو من اختصاص النقّاد في هذا المجال. جزء من هذا صحيح، لكن التزامنا الديني والأخلاقي وحتى الإجتماعي، يحتّم علينا الإضاءة على مواقع ومكامن الخلل الأخلاقي، دون الإدانة. فالسكوت أحيانًا علامة رضى. ليست كلّ موضة فنًا. لكن للأسف بات تأثير “الإطلالات الجريئة” على رواد الكنائس، بشكل كبير، الذين تحت راية الموضة، أصبح كلّ شيء مباح عندهنّ، دون احترام المكان، حتى ولو كان كنيسة، أو مقامًا مقدّسًا، ناسين أن لكل مقام مقال.
هذه المزايدات في الظهور، لنستغلها إيجابًا، من أجل مستقبل أفضل لشباب وشابات هذا البلد. فبدل مخاطبة الجمهور، بلغة الجسد الفاني، حاوروه واطرحوا مواضيع مهمة، فيكون لكنّ أجرًا عظيمًا، عند الله والناس. فلا تتباهين بظهوركن في المنتجعات الفخمة وأمام السيارات الفاخرة والمحال التجارية، وأبناء بلدكم يستعطون الرغيف والدواء والمحروقات، فهذا عار على سمعتكن وتاريخكن. الحرية لها حدود ولها قواعد وإصول، وإلا تحوّلت إلى فلتان أخلاقي.
نصيحتي أيضًا للوجوه المشهورة، من النساء والرجال، السياسة والتحيّز والأنحياز، لن ينفعوكم، دنيا وآخرة. ما ينفعكم أن تسعوا وتهبّوا لمساعدة أهل بلدكم، ماديًا ومعنويًا، وكل شيء يزاد.
سيدتي، الإطلالة الجريئة لا تكون بورقة التين، إنما بالكلمة الطيبة، والنصيحة البنّاءة، والتوجيه المفيد، وإلا الخطيئة ستتملّك بنا أكثر فأكثر. واعلمي أن المصفقين لكِ، يقابلهم ألوف مؤلفة من الرافضين لإطلالتك الجريئة، وتباهيك بما تملكين. “لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفسه
(المقالة الأسبوعية للأب الياس كرم عبر موقع النشرة الإلكتروني)