“وقّفتني أوتوستوب”، اذ لم تترك الحكومة بقراراتها “العلية” خيارات اخرى امام المواطن سوى “الاوتوستوب”، فيما النقل العام غائب كلياً، بعدما وازت كلفة التاكسي الشهرية للعامل معاشه، ما دفعه للبحث عن خيارات أخرى فلم يجد أمامه سوى التنقل سيراً أو “الاوتوستوب” وكلا الخيارين مرّ ولكنه أحلى من دفع المعاش.
يبدو أن “الاوتوستوب” سيكون سبيل اللبناني للتنقل بين القرى هذه الايام، بعدما شكّلت اجرة التاكسي نكسة للمواطن، اذ بلغت من حاروف بإتجاه النبطية 20 الف ليرة، ومن النبطية باتجاه القاقعية 25 الف ليرة وهو مبلغ يفوق قدرة تحمله.
” من وين بدو يلاقيها” من فاتورة الاشتراك التي تخطت المليون ونصف الى شراء المياه النقلة بـ200 الف الى فاتورة مياه الشرب التي تتخطى الـ200 الف شهرياً، الى كلفة البنزين التي تحتاج معاش شهرين تقريباً، الى الارتفاع الهستيري بأسعار الفاكهة والخضار التي فعلاً باتت لمن استطاع اليها سبيلاً، بعدما بلغت كلفة طبخة اللوبيا على سبيل المثال50 الف ليرة وهلّم جرّا من فواتير حدّت من تنقلات الأهالي وفرضت عليهم اما التنقل سيراً او “أوتو 11” كما يطلق عليها او “الاوتوستوب”، ما انعكس سلباً على شوفيرية التاكسي الذين توقفت حركتهم بشكل ملحوظ في قرى النبطية.
لم تجد سلمى بديلاً عن “الاوتوستوب” لتنتقل من بلدتها ميفدون الى مركز عملها في النبطية حيث تعمل في محل أحذية ببدل شهري لا يتجاوز الـ800 الف ليرة، اذ ترى أنه لو تنقلت بالسرفيس لوجب عليها ان تدفع يومياً 25 الفاً، أي ما يعادل 650 الف ليرة بعدما كانت تدفع 5 آلاف يومياً، ما يدفعها اما لترك العمل أو للاستعانة بالـ “الاوتوستوب” إن توفّر، اذ تجد صعوبة حتى بإيجاد أحد يتنقل على الطرقات بعدما بلغ سعر تنكة البنزين الـ230 الف ليرة.
ليست سلمى وحدها من وجد بـ”الاوتوستوب” حلاً، فأيضاً محمد الذي عادة ما يتنقل من بلدته عبا الى مركز عمله في زبدين مع صديقه عبر دراجة نارية. محمد الذي يعمل في مركز تجاري يؤكد أن النقل بات يحتاج ميزانية عالية وهو ما يعيق العمل ما لم يتم تصحيح الاجور، “فأنا اتقاضى الحد الأدنى رغم أنني املك شهادة ادارة اعمال، ولكن في لبنان المتعلم مهدور حقه، هذا ناهيك عن التضخم الكبير في الاسعار.
يقيم محمد عملية حسابية بسيطة لواقعه فهو لو اضطر لدفع بدل نقل فإنه يحتاج 650 الف ليرة، سندويش غداء كلفتها 45 الف ليرة يومياً، قنينة مياه للشرب 6000 ليرة من دون أن ننسى كوب القهوة الذي تجاوز الـ4 آلاف، أي أن العامل يحتاج الى ما يقارب المليون ونصف للمصروف وماذا عن حاجياته الأخرى؟ ما يعني أننا نعمل ولا نعمل، لان الاجور بـ”الارض” اذ ما زلنا نتقاضى الحد الادنى وندفع النقل والاكل والشرب وفق السعر الموازي فاين العدالة مما آلت اليه أحوالنا”.
يحاول العمال التخفيف من اعباء فاتورتهم اليومية بـ”الاوتوستوب” فيوفرون 650 الف ليرة كحد ادنى، ويقنّنون بالمصروف، حتى الغداء يغضّون الطرف عنه بمعظم الأحيان، الاوضاع صعبة على حد قولهم، ويحسبون الف حساب لكل الف يصرفونها، رغم أن لا قيمة لها بعد اليوم.
لا تخفي رهف معاناتها اليومية في ايجاد “اوتوستوب” يوصلها من انصار الى تول حيث تعمل، فهي تضطر للوقوف ساعتين أحياناً لتجد سيارة تقلّها بالمجان، تتحمّل مشقات الانتظار ولا تتحمل دفع 30 الفاً وأحياناً 50 الف ليرة اجرة تاكسي، فـ”المعاناة صعبة جداً، وفعلاً دخلنا في أسوأ مرحلة من تاريخ لبنان، أي أننا أمام منعطف الانفجار، باقي خطوة واحدة نحو جهنم وتنفجر الناس”.
تفرّخ الأزمات كالفطر، وبات على المواطن مجابهتها بأي سبيل، اذ تخلى اليوم عن التاكسي وربما غداً عن الاشتراك وبعده يعود للتنقل على الحمارة ويستعيد زمن ستي وجدّي. في ظل هذه الأوضاع المذرية، فما كان مستحيلاً بات خيار الناس طالما ان الحكومة تسير بهم نحو “الشحار والتعتير” والفقر المدقع.
رمال جوني- نداء الوطن