بانتظار المرحلة الثانية من العقوبات على إيران، والتي ستكون أشد قسوة، لا بد من مراقبة ردّ الفعل الإيراني عليها. تطلق طهران رسائلها في أكثر من اتجاه، من أجل تجنّب الأسوأ. ولذلك، يلجأ المسؤولون الإيرانيون إلى التصعيد في المواقف، كإعلان الاستعداد للتوجه إلى الجولان ومواجهة الإسرائيليين وطردهم منه. يعبّر الموقف عن رسالة إيرانية واضحة للإسرائيليين والأميركيين من خلفهم، بأن استمرار التضييق والخنق، سيدفع إيران إلى تنفيذ عمليات عسكرية تهدد أمن إسرائيل، وتقضي على الاستقرار الذي يريد الأميركيون إبقاءه قائماً، مع نفسهم الطويل في فرض هذه العقوبات.
دور سلطنة عُمان
بموازاة المواقف التعصيدية، تطلق إيران رسائل تفاوضية أيضاً، باستعدادها للدخول في مفاوضات لتجنّب خيار تشديد العقوبات، على قاعدة الإلتزام بأمن إسرائيل، مع الرهان على دور عماني جديد، في رعاية مفاوضات أميركية إيرانية غير مباشرة، تتحول لاحقاً إلى مفاوضات مباشرة، تنقذ طهران من الحصار والضيق. حتى الآن، حسب المعلومات، لم تحقق إيران أي خرق عبر سلطنة عمان مع الأميركيين، على الرغم من اللقاءات المتكررة التي أجريت بين مسؤولين من السلطنة ومسؤولين إسرائيليين، أميركيين، وإيرانيين.
أوراق إيرانية
الأكيد أن الإيرانيين لن يتركوا حبل العقوبات يلتف على عنقهم، ويشتد أكثر، من دون أي رد فعل. ولا شك أن طهران وحلفاءها يبحثون عن سبل للردّ على هذه العقوبات، من خلال ضربات عسكرية موضعية لفتح باب للتفاوض. ولا شك أيضاً أن أي خطأ في حسابات تلك الضربات قد يؤدي إلى معركة مفتوحة. لذا، لدى الإيراني أوراق متعددة لاستخدامها، بينها ورقة جنوب سوريا المتاخم للجولان المحتل، أو ورقة جنوب لبنان عبر حزب الله، أو ورقة الداخل الفلسطيني عبر بعض الفصائل، أو ورقة استهداف الأميركيين في العراق مثلاً عبر ميليشيات الحشد الشعبي وغيرها. لكن بعض المعنيين يستبعدون استهدافاً إيرانياً مباشراً للأميركيين، لأن ردّ الفعل على تلك الخطوة غير متوقع، ويمكن أن يكون قاسياً جدّاً.
كان هناك اتفاق بين الإيرانيين والأوروبيين، منذ ما قبل حزمة العقوبات، مفاده إذا كان تأثير العقوبات كبيراً وقاسياً، ستكون الدول الأوروبية بمثابة المنفذ لإيران، طالما أن الأوروبيين رفضوا الانسحاب من الاتفاق النووي، كما رفضوا العقوبات، وتعهدوا بعدم الالتزام بها، ومساعدة الإيرانيين على تصريف بعض المنتجات البترولية مقابل إدخال العملات الصعبة (اليورو والدولار) إلى الأسواق الإيرانية. لكن الأوروبيين أخلّوا بهذا الاتفاق بسبب الضغوط الأميركية، وهذا ما يزعج طهران إلى حدّ بعيد.
أعمال عسكرية وتهريب
إذا ما بقيت الأمور على حالها، فبالتأكيد أن الإيراني لن يرضى بها، ولن يسمح باستمرار عملية الخنق هذه، ولو اقتضى الأمر اللجوء إلى تنفيذ بعض العمليات العسكرية، عبر حلفائه خصوصاً، سواء حزب الله أو بعض الفصائل الفلسطينية أو العراقية. وليس بالضرورة أن تكون هذه العمليات داخل لبنان، إنما في فلسطين أو العراق. وقد تلجأ إيران إلى تنفيذ عمليات متفرقة تكون عبارة عن مواجهات غير مفتوحة.
كلام نصر الله الأخير كان واضحاً، في رسائله التي أطلقها عن عدم السكوت على عملية الخنق الممنهجة التي يتعرض لها حزبه مع إيران. وحتى في رسائله الداخلية، كان نصر الله واضحاً حين صرح أنه لا يمكن السكوت على أي محاولة من قبل أي من الأفرقاء الرهان على العقوبات وعلى السياسات الأميركية. وينظر حزب الله إلى كل الإجراءات الأميركية الضاغطة، على إيران وسوريا ولبنان بأنها تأتي في السياق نفسه، وهو خنق إيران وكل حلفائها. وليس مشهد الشوارع الفارغة في دمشق بفعل أزمة المحروقات، وعدم سماح مصر لناقلات النفط الإيرانية بعبور قناة السويس باتجاه البحر الأبيض المتوسط، إلا دليل على استمرار التصعيد لخنق المجتمعات الموالية لإيران.
وفيما يحاول حزب الله توريد المحروقات من لبنان إلى سوريا، ولو عبر تجار أو مهربين لمصالحهم الخاصة، فالمهمّ هو إرفاد بعض المناطق السورية بالمحروقات، كان من الواضح عدم وجود أي قرار لبناني يوفر غطاءً لهذه الخطوة، ليتبين أن عدم تهريب لبنانيين للمحروقات إلى سوريا يأتي التزاماً بضغوط أميركية على الشركات اللبنانية، والتي جرى تهديدها بفرض عقوبات عليها، وعدم قبول حوالاتها المالية في المصارف.
كل هذه الضغوط ستؤدي إلى انفجار في النهاية.
المصدر: جريدة المدن
منير الربيع