كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
بالضربة الصحية القاضية، سدّدت وزارة الصحة ومن خلفها الحكومة، ركلة جزاء رفع الدعم عن الأدوية، مسجلة هدفاً قاتلاً في صحة المواطن التي باتت مهددة فعلاً بأدويته، وقد ظلت غير متوفرة بالرغم من رفع الدعم، والسبب ان الشركات لم تسلم الادوية لان مصرف لبنان اعلن صراحة انه لا يملك سوى 35 مليون دولار لدعمها، فيما خطة الحكومة قضت برفع الدعم عن 65 بالمئة وابقت على 30 بالمئة كمدعوم وهو غير متوفر، ما يعني ان الدواء ارتفع سعره أضعافاً مضاعفة وبقي خارج الخدمة، ما ينذر بأزمة دواء مفتعلة وخطيرة تهدد صحة الناس.
اولى بشائر رفع الدعم كانت فورة شعبية فيسبوكية، بدا من خلالها حجم التوتر الذي اصاب الناشطين، ومن خلفهم المواطنين. عباس احد الأشخاص الذين كان يشتري شهرياً رزمة ادوية لزوجته وابنه، تكلّفه قبل رفع الدعم 175 الف ليرة، وبعد رفعه 750 الف ليرة فيما راتبه لا يتجاوز المليوني ليرة، ما دفعه ليرفع صوته عبر صفحته، معلناً ثورته ضد من ضربه في صميم صحة زوجته وأولاده، وكتب آخر عن حاجته لادوية الرشح خاصة مع انتشار الانفلونزا القاسية هذه الايام، غير أنه مع رفع الدفع بات من غير الممكن شراء البنادول بـ90 الفاً ناهيك عن باقي الرزمة الاخرى.
لا يختلف اثنان على ان رفع الدعم عن الدواء لن يحرك في صمت الناس شيئاً، بل سيتأقلمون مع واقع الحال حتماً، وربما يلجأون للأدوية العطرية القديمة وتنشط من خلالها العيادات العطرية أو ما يعرف بطب الاعشاب، ويعود المجد للزوفا، والقرفة، والبابونج، والشومر، وغيرها من الأعشاب التي كان يتداوى بها الأجداد، ويصنعون منها ادوية السعلة والمراهم والزيوت، فهل خطة الحكومة اعادة الناس الى هذا الكار؟
بالطبع فعلتها من حيث لا تدري، وبدأت الناس تفكر جدياً بالامر، فالحالة بالكحالة، اذ ارتفعت أسعار كل شيء، وبقيت الرواتب واليوميات وفق سعر صرف الـ1500 ليرة، حتى المصارف ترفض رفع سعر الصرف لديها وأبقته على الـ3900 فيما سجل سعر الصرف في السوق الموازية 23100 ما يعني ان الازمة المستجدة مع الدواء قد تنسحب حتماً على دولرة الاستشفاء ايضاً، والطامة الكبرى أن الجهات الضامنة لا تغطي الفارق، يعني ان المضمون لن يكون بمقدوره تغطية فرق الدواء فالحساب باق على القديم وهو ما يراه الصيدلي محمد كارثة بحد ذاتها، خصوصا وأنه تم رفع الدعم بشكل مفاجئ، ولم يذكر القرار آلية التطبيق، ولا تأمين فرق باقي الدعم، ما أبقى الازمة مكانها بل فاقمها اكثر وفق ما اشار، اذ ظلت اللعبة اليوم بين المصرف المركزي والشركات، اما المواطن فما زال يبحث عن دوائه المفقود والغالي الثمن، ولا يخفي ان الدواء في لبنان بات للفئات الميسورة جداً، أما من دون خط الفقر فلا حول لهم.
قبل أعوام خلت، كانت الناس تعتمد على الأعشاب الطبية لتداوي آلامها، وكانت العِطارة مثابة صيدلية لهم، يقصدونها لشراء أدوية عشبية تعالج آلامهم، غير أن نجمها أفل لصالح الدواء، بيد أنه مع رفع الدعم عادت العطارة الى الواجهة، فهل تكون البديل للناس؟
لا ينكر العطار عقيل خلف أن العطارة ستكون وجهة الناس، فهي تضم كافة العلاجات المطلوبة، وكانت وستبقى الدواء الشافي الطبيعي. يعمل خلف منذ سنوات في تركيب الأدوية العطرية، توارث المهنة عن والده، وتحوّل اشهر عطار في منطقة النبطية، ولا يتردد بالقول ان كثراً بدأوا يسألون عن ادوية بديلة ذات فعالية وبسعر رخيص، فالحالة الإقتصادية دفعت الناس للعودة لطب الأجداد، لا يخفي فرحته من الامر “لأن الطب البديل مهم جداً ولكن قلة تدرك أهميته واليوم بدأ الناس يلجأون له خاصة مع موجة الانفلونزا وحالات الرشح الكبيرة، وحاجتهم للدواء الشافي”. ويؤكد خلف ان الاسعار رخيصة وأغلى دواء لا يتجاوز الـ30 الف ليرة لبنانية.
مع تعدد الازمات، بدأ المواطن يتكيف مع واقعه الجديد العودة قسرياً للعصر الحجري اذ يتحضر حالياً لرفع الدعم عن الاتصالات وحينها ربما يفكر ان يثور، ولكن هل يفعلها؟