مع تصاعد حدّة تطورات الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا، وتفاقم انعاكساتها على عملية الاستيراد وانقطاع المواد الغذائية وعدم قدرة الشركات المصنّعة على تلبية حاجات الدول المستهلكة، يزداد منسوب القلق على الأمن الغذائي في لبنان.
ويجري البحث في وزارة الاقتصاد، عن دول بديلة لاستيراد القمح والحبوب والزيوت والاعلاف، كون لبنان يستورد 60 في المئة من استهلاك القمح من اوكرانيا و90 في المئة من الزيوت من اوكرانيا وروسيا، في حين ان تركيا توقفت عن تصدير الحبوب الى لبنان.
وبما ان لبنان يستورد معظم حاجاته من الحبوب الأساسية، اي القمح والذرة والشعير، عبر البحر الأسود ما بين اوكرانيا وروسيا، لا بدّ، مع تعطّل هذا المصدر، من البحث عن بديل لِخط البحر الأسود والاتجاه الى المحيط الأطلسي او الى قناة السويس، مع الاخذ في الاعتبار بُعد المسافات وزيادة أجور الشحن، وبالتالي الإرتفاع في الاسعار الذي يضاف الى الارتفاع في اسعار السلع الذي نتج عن انعكاسات الحرب وارتفاع الطلب.
واوضحت مصادر وزارة الاقتصاد لـ”الجمهورية” انه بالنسبة الى ما يتعلّق بالقمح، سيتم البحث خلال الاجتماع المرتقب في آلية سريعة جدّاً لفتح الاعتمادات لأن التجار في الخارج والشركات المورّدة ترفض حالياً توقيع عقود بيع وشحن وفقا لآليات الدفع السابقة من خلال الـCredit notes أي الدفع لاحقا، بل انها تشترط الدفع مسبقاً pay in advance “وأيّ باخرة لا يتم شراؤها وتسديد ثمنها مسبقا، يتم تحويلها الى بلد آخر، نظرا الى التهافت الكبير الحاصل في كافة الدول المجاورة على تخزين المواد الغذائية خصوصا القمح”، مما صَعّب على لبنان الذي يعاني أزمة حادة في توفر السيولة النقدية بالعملة الاجنبية وضاعَف حجم مشكلته وأزمتة الناتجة عن تداعيات الحرب الروسية، ما سيتطلّب تأمين دولارات اضافية دفعة واحدة لاستيراد كمية القمح المطلوبة لمدة عام والمقدّرة كلفتها بحوالى 240 مليون دولار، مدعومة بنسبة 100 في المئة من قبل مصرف لبنان على سعر الصرف الرسمي.
اما النقطة الثانية التي تبحث فيها وزارة الاقتصاد فهي الدول البديلة عن اوكرانيا وروسيا لاستيراد السلع الغذائية الاساسية الاخرى، كالزيت من رومانيا وهنغاريا او كرواتيا. وبالنسبة للمواد العلفية المستوردة، سيتم التوجّه لاستيرادها من دول أميركا الجنوبية. كذلك الامر بالنسبة للحبوب التي توقفت تركيا عن تصديرها، سيتم البحث عن دول بديلة عنها، ولأجل ذلك سيتواصل وزير الاقتصاد مباشرة مع سفارات الدول المعنيّة لتسريع عملية الاستيراد.
معركة المشتقات النفطية
استعرت معركة المشتقات النفطية مجدداً. ففيما تتهم الوزارة التجّار بمحاولة الإثراء على حساب المستهلكين عبر المطالبة بتسعير يومي للمازوت والبنزين، يردّ هؤلاء بأنهم يسجّلون خسائر كبيرة بسبب التذبذبات السريعة والحادّة في الأسعار العالمية.
ولفتت “الاخبار” الى ان المخزون هو محور سجال بين الوزارة والشركات أيضاً. إذ يؤكّد وزير الطاقة وليد فياض أن مخزون المشتقات النفطية يصل إلى 10 أيام للبنزين ونحو 5 أيام للمازوت، في مقابل تأكيد الشركات أن مخزون المادتين لا يكفي سوى لأيام محدودة. إذ إن الكمية التي كانت متوافرة في خزّانات الشركات صباح أمس بلغت 60 مليون ليتر من البنزين، و40 مليون ليتر من المازوت، أي 6 أيام للبنزين و4 أيام للمازوت. ورغم عدم وجود فارق كبير في التقديرات، إلا أن يوماً أو اثنين في ظل الظروف القائمة في لبنان قد تعيد تسعير عمليات التخزين والبيع في السوق السوداء خلال ساعات، وخصوصاً أن الشركات يمكن أن تتوقف عن البيع بذريعة حماية مخزونها من الخسارة.
في المقابل، اوضح رئيس تجمع الشركات المستوردة للمشتقات النفطية مارون شماس إن المخزون ضئيل جداً، وسعره محتسب على أساس متوسط الأسابيع الأربعة السابقة حين كانت الأسعار أقلّ بكثير، وبالتالي فإن التسعير اليومي يغطّي الفروقات في الأسعار بين المخزون القديم والكميات الجديدة المستوردة “لأنه في الحالة الراهنة، يصبح المخزون مبيعاً بالأسعار القديمة، بينما اشتريناه بأسعار أعلى”.
غير أن كلام شمّاس يدحضه تجّار آخرون (رفضوا الإفصاح عن أسمائهم)، لفتوا إلى أن استيراد المشتقات النفطية يتم حالياً في السوق بأسعار أقلّ من أسعار البلاتس، وأن ادعاءات المستوردين بأن التسعير يتم بناءً على معادلة تسعير فيها ما بين 5 أيام و10 أيام قبل التحميل وما بين 5 أيام و10 أيام بعد التحميل بيوم، فيها الكثير من المواربة “إذ إن كل المسألة تتعلق بأن الأرباح تكون قليلة في البداية، وكلما جرى رفع التسعيرة انسجاماً مع ارتفاع الأسعار العالمية ترتفع الأرباح. فالتنافس في السوق يتعلق بمن يستفيد من المخزون: المستوردون أم التجار الوسطاء الذي يعمدون إلى شراء كميات كبيرة من المستوردين ويخزنونها مقابل بيعها لاحقاً بالتسعيرة الجديدة؟ وبالتالي، فإن التنافس يتمحور حول من يستفيد من أرباح الأسعار الجديدة”.