إسرائيل وحزب الله: الحرب عاجلة أم آجلة؟
“المدن”
يحتار منْ يسمع الأخبار حول احتمال نشوب حرب جديدة في جنوب لبنان. هل يصدق الشائعات المتداولة في وسائل الإعلام؟ أم تصريحات المسؤولين النافية لها؟ فلا الشائعات تعني أن الحرب حتمية. ولا نفيها يعني أنها لن تقع، يوماً ما، بين إسرائيل وحزب الله.
جبهة لبنان
صحيح أن صانعي القرار لا يتعاملون مع المسألة كما لو أنهم على وشك إطلاق النار والاقتتال، ولا يعطون بالتالي أي انطباع بأنهم عشية حرب. وصحيح أن رد إسرائيل على حفر الأنفاق التي بناها حزب الله على الحدود اقتصر على تدميرها، علماً بأن هذه الدولة اعتادت الرد بشكل غير متكافئ على عمليات لحزب الله، أو على تلك التي كان ينفذها الفلسطينيون في الماضي. فكانت تقابل الرصاصة بوابل من القذائف، وأسر جندي بعدوان مدمّر. لكن هذه المعطيات لا تكفي لحسم الجدل، وللقول إن الحرب باتت مستبعدة نهائياً. فهناك تكهنات لا يمكن التقليل من أهميتها ومفادها أن جبهة لبنان مرشحة للانفجار، وذلك بعد الترتيبات التي رعتها روسيا في جنوب سوريا، لمنع مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران. وثمة تحذيرات دبلوماسية تدعو لضرورة التعامل بجدية مع تهديدات إسرائيل بضرب مواقع لحزب الله، تزعم بأنها مخصصة لصناعة الصواريخ. بمعنى آخر، شروط الحرب تبقى متوفرة، بانتظار ساعة الصفر التي تبدو مؤجلة.
حيرة العقوبات
في ظل هذا الغموض، تأتي العقوبات الأميركية المباشرة على حزب الله لتزيد الحيرة. هل هي خطوة بديلة عن استخدام القوة العسكرية ضد الحزب؟ أم إجراءات عقابية ستستتبع بشن حرب؟ السيناريوهات المحتملة ترتبط بماهية أهداف هذه العقوبات وبنتائجها.
طبعاً، للعقوبات حسابات أميركية داخلية ترتبط بصورة الرئيس، دونالد ترامب، وبسعيه لتقديم نفسه أمام ناخبيه بوصفه الرئيس الحازم مع إيران وحلفائها. لكن هذا العامل لا يفسر وحده لجوء واشنطن إلى هذه السياسة العقابية. لا بد من وجود سلة أهداف أخرى تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيقها.
يمكن أن تكون غايتها تغيير سلوك حزب الله على المستوى المحلي اللبناني، لكن هذا الملف لا يمثّل وحده أولوية أميركية. لعل إدارة ترامب تريد إضعاف الحزب لتقليص هامش المناورة لديه في إدارة الصراع مع إسرائيل، لا سيما في ما يتعلق بالخلاف على الحدود البحرية والثروة النفطية قبالة الشواطئ اللبنانية، وصولاً إلى انتزاع تنازل، ولو ضمني منه. لكن ما هي طبيعة هذا التنازل المحتمل؟ هل يتنازل الحزب عن شيء من ترسانته العسكرية، أم عن بضعة الكيلومترات المربعة في البحر؟ أو أن المطلوب هو مصادقته على هدنة طويلة الأمد على الحدود البرية والبحرية، بضمانات دولية، روسية ـ أميركية؟ ولعل واشنطن تعتبر أن حزب الله يشكل عقبة أمام “صفقة القرن”، على غرار ما كانت تمثله “منظمة التحرير الفلسطينية” من عقبة أمام “اتفاقية السلام” بين إسرائيل ومصر، لتتطلع بالتالي إلى تحجيمه، بواسطة العقوبات، كما تم تحجيم “منظمة التحرير” خلال حروب لبنان، وذلك لتسهيل إتمام “صفقة القرن”. من الممكن أيضاً أن يكون الضغط على حزب الله جزءاً من سياسة هجومية ضد إيران، تنتهي بمقايضات على مستوى منطقة الشرق الأوسط.
قطع رأس المدبّر
على أية حال، اعتماد واشنطن لخيار العقوبات يعني على الأقل أنها غير مستعجلة للحرب. وسياسة العقوبات، التي تفرضها دولة عظمى، لا تكون عادةً عشوائية، بل تندرج ضمن استراتيجية طويلة الأمد. على هذا الأساس، من المرجح أن تتصرف الولايات المتحدة بدمٍ بارد، مراهنةً على عامل الوقت، الذي تعتبره أنه لا يصب في مصلحة إيران وحزب الله، بل في مصلحتها هي وإسرائيل، لأسباب عدة، أبرزها الأوضاع الاقتصادية.
في نهاية المطاف، إذا حصلت واشنطن على مبتغاها، على تسوية تلبي شروطها، لا سيما إذا تراجعت إيران تحت ضغط النقمة الشعبية المحتملة لديها، ولدى بيئة حليفها حزب الله، سيبقى كل الكلام عن الحرب حبراً على ورق. لكن ماذا لو لم تحقق العقوبات أي من أهداف الإدارة الأميركية؟ هل ستصبح الحرب خياراً جدياً؟ هل ستشن الولايات المتحدة بالتعاون مع إسرائيل وحلفائها الإقليميين، حرباً شاملةً، على قاعدة أن حسم الصراع مع إيران والحد من سياستها التوسعية في المنطقة يتطلّبان، في المنظور الأميركي، الرجوع إلى نظرية عسكرية غربية ـ أميركية قديمة، مفادها أن لا حل إلا بقطع “الرأس المدبر” في عقر داره في طهران، أياً تكن فاتورة عملية كهذه، إنسانياً وسياسياً وأمنياً؟ أم أن الإدارة الأميركية ستعيد إحياء معادلة “اللا حرب واللا سلم” التي كان فرضها وزير الخارجية الأميركي الأسبق، هنري كيسنجر، في سبعينيات القرن الماضي، وما يعنيه ذلك من استبعاد لحرب مباشرة مع إيران، لكن من دون استبعاد حرب أو حروب محدودة ستخوضها إسرائيل يوماً ما مع حزب الله في جنوب لبنان؟