الرئيسية / مقالات / سعدنات الحاكم مستمرّة: المضاربات تتصاعد بضخّ الدولارات

سعدنات الحاكم مستمرّة: المضاربات تتصاعد بضخّ الدولارات

بسحر ساحر، انخفض سعر الدولار في السوق الحرّة من 37 ألف ليرة إلى 29 ألف ليرة، وربما ينخفض أكثر خلال اليومين المقبلين. الانخفاض جاء استجابة لبيان صادر عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة/ يشير فيه إلى أنه سيضخّ الدولارات عبر التعميم 161 بالوتيرة المفتوحة السقف، أي أنه سيوقف تقنين ضخّ الدولارات وسيكرّر مرحلة السقف المفتوح في أول شهر من السنة الجارية. يومها بلغ الدولار 32 ألف ليرة، ثم انخفض إلى 20 ألف ليرة في 1 شباط. استمرّ الأمر لغاية 8 آذار (36 يوماً) ثم عاد سعر الصرف إلى الانفلات التدريجي، وصولاً إلى تسجيله ارتفاعاً قياسياً أمس بلغ 37 ألف ليرة. يقال إن سلامة أنفق أكثر من مليارَي دولار في هذه العملية. أما البيان الصادر أمس، فقد كان له مفعول السحر لأنه أعاد ضخّ الدولارات في شرايين المضاربات الجارية. سقف هذه المضاربات مفتوح للجميع، ما يعني أنه سيكون بإمكان أيّ أحد الاستفادة من الهامش الواسع بين سعر السوق الحرّة وسعر صيرفة. فرغم انخفاض السعر إلى 29 ألف ليرة، إلا أن الهامش ما زال واسعاً ويبلغ 4500 ليرة. كل 1000 دولار تباع في السوق بسعر 29 ألف ليرة تحقق للمضاربين أكثر من 100 دولار (بعد حسم العمولات للمصارف) خلال 24 ساعة.

 

سلوك سلامة في ترسيخ سياسات نقدية تكرّس المضاربات، ليس أمراً مقلقاً فقط، بل هو يحمّل الناس خسائر هائلة. فالأسعار ترتفع على وقع تقلّبات أسعار الدولار، فيما تبيّن أن بإمكانه كبح ارتفاع سعر الصرف ببيان واحد، وأن لديه إمكانية لضخّ الدولارات في السوق، رغم انخفاض مخزونه من السيولة بالعملة الأجنبية. وهذه ليست إشارات مطمئنة في السوق.

في المقابل، تتعامل الحكومة مع سلوك سلامة بحيرة وضياع. ليس لأن لديها القدرة على اتخاذ قرار يغطّي سلوكه المتهوّر، بل لأنها تبدو جاهلة بما يقوم به أو متعامية قصداً عن نتائج ممارساته، رغم خطورتها. وهذا مكمن خطر أكبر. فمن فرط جهل القوى السياسية الحاكمة، أو تواطئها مع سلامة، ما زالت بعد أكثر من سنتين ونصف سنة على الأزمة، تقف على الحياد في مسألة التسعير، أو تخضع لضغوط التجّار والمحتكرين. وهذا الفشل دفعها نحو إحياء «المجلس الوطني لسياسة الأسعار» الذي كان يفترض أن يتشكّل قبل 48 عاماً. فهل المشكلة تكمن في وجود مجلس يرسم سياسات الأسعار مؤلّف من أزلام قوى السلطة وخاضع لمآربها، أم المشكلة في قوى السلطة نفسها العاجزة عن اتخاذ قرار يحمي مواطنيها؟

 

كل 1000 دولار تباع في السوق بسعر 29 ألف ليرة تحقق للمضاربين أكثر من 100 دولار خلال 24 ساعة

 

هذه الإشكالية تقود نحو سؤال آخر: هل ستكون مهام المجلس الوطني التسعير وفق الدولار؟ أيّ سعر للدولار سيعتمد؟ عملياً، ستحال قنبلة الأزمة والأسعار على مجلس يبني قراراته بالخضوع التام لقوى السلطة الحاكمة.

على أي حال، فإنه رغم وجود قانون لحماية المستهلك ساري المفعول، اشتعلت أسعار المحروقات، وغابت ربطة الخبز الكبيرة الحجم، ورفعت السوبرماركات أسعارها بشكل عشوائي وبلا أي رقابة، ما حوّل لبنان إلى بقعة جحيم تستخدم فيه حرب التجويع من أجل مصالح سياسية ضيقة. فهل المقصود إمرار انتخابات هيئة مكتب المجلس النيابي من دون «شوشرة»، ولا سيما أنه في غضون 12 يوماً من تاريخ يوم الانتخابات في 15 الجاري لغاية ظهر أمس، قفز الدولار أكثر من 10 آلاف ليرة بلا مبرّرات لهذه الوتيرة المتسارعة. صحيح أنه لم يحصل ما يعكس مفاعيل الانهيار أو يوقفها، إلا أن الوتيرة السريعة بمعدل 800 ليرة يومياً أمر مبالغ فيه رغم استمرار مصرف لبنان بضخّ 30% من الطلب على الدولار عبر المصارف. وهذه الـ 30% مخصصة للتمويل التجاري، أي أنها كانت تغطّي قسماً كبيراً من الحاجات الفعلية للاستيراد.

 

وبنتيجة ما حصل في الأسبوعين التاليين بعد الانتخابات النيابية، ارتفع سعر صفيحة البنزين من عيار 95 أوكتان من 507 آلاف ليرة في 10 أيار إلى 597 ألف ليرة أمس. وارتفع سعر صفيحة المازوت من 599 ألف ليرة إلى 732 ألف ليرة، وارتفع سعر قارورة الغاز من 359 ألف ليرة إلى 447 ألف ليرة. حتماً انعكس ارتفاع أسعار المحروقات على كل أسعار السلع والخدمات، لتضاف هذه الارتفاعات فوق ارتفاعات مستوردة سببها ارتفاع الأسعار العالمية. وبشكل أساسي انعكست هذه الارتفاعات على أسعار الخبز، إذ زادت بقيمة ألفَي ليرة، بقرار من وزير الاقتصاد حتى بات سعر الربطة التي تزن أقل من 900 غرام 15 ألف ليرة، وكان لافتاً غياب تحديد سعر الربطة ذات الحجم الكبير (يفوق الـ 1000 غرام) عن بيان الوزارة، كما جرت العادة. مصادر متابعة ترد ذلك إلى خوف الوزير من إصدار سعر لهذه الربطة يفوق 18 ألف ليرة، محابياً مطالب الأفران التي تربح أكثر من بيع عدد أكبر من الربطات الصغيرة أو المتوسطة. نقيب أصحاب الأفران علي إبراهيم، يبرّر غياب الحجم الكبير من ربطة الخبز بأن «تصنيعه يحتاج إلى استهلاك كمية أكبر من الطحين غير المتوافر بصورة دائمة في ظل الأزمة»، لافتاً إلى أن «كميات القمح المتوفرة حالياً تقدر بنحو 19 طناً وتكفي حاجة السوق لـ 20 يوماً فقط».

واستمراراً لعجز قوى السلطة في التعامل مع الأزمة، فإن الاجتماعات المتلاحقة بلا قرار واضح تتواصل في وزارة الاقتصاد. وفي اجتماع أمس بين الوزير سلام وممثلي جمعيات مستوردي الغذاء والسوبرماركت، بحسب مصادر المجتمعين، فإن «ممثلي نقابات مستوردي المواد الغذائية والسوبرماركت أبلغوا الوزير أن التسعير سيكون حسب سعر دولار السوق الحرّة وأن الوزير متفهّم لهذا القرار». إذاً، ما جدوى الاجتماع؟ عملياً، الهدف تبرير ارتفاع الأسعار والحفاظ على أرباح التجار والمحتكرين فقط.

 

المصدر: الأخبار

شاهد أيضاً

قصّة إنهيار البورصة العالمية وارتباطها بالتحديات الجيوسياسية

  إستفاق العالم على خبر إنهيار في البورصات العالمية، نتيجة الخوف المستجد من تباطؤ الاقتصاد …