تنوعت القراءات والتحليلات لجلسة الاستحقاق النيابي امس وما دار خلالها من وقائع عكست طبيعة الكتل النيابية واحجامها والتوازنات، فقال فريق من السياسيين لـ”الجمهورية” انّ “انتخابات رئيس المجلس ونائبه واميني السر والمستشارين كانت يوماً ملحمياً بثلاثية نظيفة ثَبّتت الاكثرية النيابية، او أظهَرت من يملك ناصية هذه الاكثرية في المجلس النيابي الجديد، وكان يمكن لهذه الثلاثية ان تكون رباعية لو لم يفز امين السر الثاني والمستشارين الثلاثة بالتزكية”. واضاف هذا الفريق القريب من هذه “الثلاثية” أنّ “بقية الكتل النيابية وبينها كتلة التغييريين خسرت اولاً في رهانها على أن لا يفوز بري من الدورة الاولى، وخسرت ثانياً في معركة مرشحها غسان سكاف لمنصب نائب رئيس المجلس لأنّ الاكثرية التي أوصلت بري الى رئاسة المجلس جَيّرها بري لمرشح التيار الوطني الحر الياس بو صعب الذي فاز بمنصب نائب الرئيس. امّا الخسارة الثالثة فكانت بتكرار المشهد بفوز النائب ألان عون بمنصب الامين السر الاول بالاكثرية المطلقة، فيما كانت الخسارة الرابعة عندما اضطرّ التغييريون الى سحب مرشحهم فراس حمدان لمصلحة امين السر الثاني هادي ابو الحسن الذي فاز بالتزكية، ثم امتنعوا عن ترشيح ايّ من المستشارين الثلاثة الذين فازوا بالتزكية ايضاً وصودِف انهم من لون واحد.
وعَلّق هذا الفريق على ما حصل لكتلة التغيريين قائلاً: “يبدو انّ هذه الكتلة ذهبت الى صَيفِيّتها باكراً”. وتوقّف عند ما كتبوه من شعارات على الأوراق التي اقترعوا بها قائلين: “أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله”، فشعار الشارع للشارع لكن في المجلس “في حَكي قَرايا وحَكي سرايا، وحكي القرايا غير حكي السرايا”.
واضاف اصحاب هذه القراءة قائلين إنّ “النتائج اظهرت انّ اول تَشظّ في هؤلاء التغييريين اصاب النائب ملحم خلف حيث انهم لم يرشّحوه لنيابة رئاسة المجلس ولم يعتبروه ممثلاً لهم أصلاً، ولذلك لم يُسمع صوته خلال الجلسة. في وقت شعر بعض هؤلاء انهم يقفون على الضفة الخطأ من موضوع استحقاق رئاسة الحكومة”.
وفي قراءة ثانية قال فريق من السياسيين انّ ما حصل في جلسة الامس اظهَر انّ موازين القوى خالفت كل الصراخ والهمروجة التي صاحَبت التحضير لهذا الاستحقاق، الى درجة انطبقَ عليها القول “ذهب الثلج وبَان المَرج”.
واضاف هؤلاء انّ التصويت عكس موازين القوى في وقت بَدت القوات اللبنانية منكفئة عن المشهد، فحاولت مع الآخرين القيام بانقلاب عبر التصويت لغسان سكاف ولكنهم فشلوا. لذلك فإنّ ما حصل قد لا يوفر لهؤلاء اي مكان في أي تسوية سواء حول اختيار رئيس الحكومة الجديدة أو في انتخاب رئيس الجمهورية.
ويعتبر اصحاب هذه القراءة انّ حزب الله كان الرابح الأكبر في ما حصل امس بحيث انه أوصَل حليفيه الشيعي الى رئاسة المجلس والمسيحي الى نيابة الرئيس، فخاض المعركة بهدوء بعيداً عن البروباغندا التي أثيرت ضده داخلياً وخارجياً تحت عنوان انه مُني بهزيمة مدوية في الانتخابات النيابية الاخيرة. ولذلك يعتقد هؤلاء انّ نتيجة يوم امس وكذك نتائج الانتخابات النيابية كانت أكثر راحة للحزب من النتيجة التي حققها في انتخابات 2018.
وفي رأي هؤلاء انّ “الاكثرية النيابية صارت اكثرية غب الطلب حين تدعو الحاجة اليها ولم يعد هناك من ضرورة لأكثريات موصوفة، بل اكثرية تتوافَر حين يقتضي الامر بتوافرها مع فارق ما يؤمّن اسلوباً أكثر مرونة للتعاطي مع الاستحقاقات المقبلة من دون ان يكون اي فريق في موقع حَرج”.
لكنّ قراءة المُحايدين لِما حصل تقول ان استحقاق الامس “أظهرَ فعلياً ان لا احد من القوى السياسية يمتلك اكثرية مطلقة او موصوفة في المجلس الجديد، وانّ الاكثرية ستتشكّل تبعاً للتوافق بين الكتل النيابية المختلفة على القضايا التي سيتصدى لها المجلس النيابي في جلساته العامة، ما يعني ان هذه الاكثرية ستكون “على القطعة”. ورأى هؤلاء ان “الاكثرية التي توافَرت في جلسة الامس لانتخاب رئيس المجلس ونائبه ولأحد اميني السر كانت اكثرية مركّبة تكوّنت بناء على توافق الافرقاء السياسيين وكتلهم النيابية حول هذا الامر. وهذا المشهد سيتكرر في الاستحقاقات المقبلة”.