بينما تستمر مناكفات التشكيل فصولاً، تنهار الدولة بمؤسساتها وإداراتها كافة… وزارات وإدارات ومؤسسات عامة من دون كهرباء ومن دون المستلزمات الأساسية لضمان استمرارية العمل. لا أوراق في الإدارات العامة، لا حبر للطباعة لا مازوت لا مياه… ولا موظفون. الدولة عاطلة من العمل بنسبة 99 في المئة ولا أحد يعتبر انّ البلاد في حالة طوارئ.
أعلن رؤساء الوحدات في مديرية المالية إضرابهم المفتوح، وبالتالي تعطلت كافة المعاملات المالية للقطاع العام والخاص. ولم يصدر أمس جدول تركيب اسعار المحروقات بسبب اضراب موظفي المديرية العامة للنفط، ما يُنذر بأزمة انقطاع المحروقات مجدّداً، لأنّ استيراد بواخر المحروقات قد يتوقف حيث سيتعذّر إصدار الإجازات.
كذلك الأمر بالنسبة إلى إجازات استيراد وتصدير مختلف السلع، من أدوية ومواد غذائية وغيرها، ناهيك عن تعذّر تسجيل أي مولود جديد بسبب إضراب دوائر النفوس، كما تسجيل العقارات بسبب الإضراب وبسبب انقطاع أوراق صكوك الملكية، وصولاً إلى تسجيل السيارات وتجديد الإقامات وإجازات العمل وغيرها من المعاملات الرسمية…
رغم انّ اضراب موظفي القطاع العام مستمر للأسبوع الرابع على التوالي، إلّا أنّ صدور تعميم عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، يطلب فيه من المصارف احتساب رواتب القضاة على أساس دولار يوازي 8000 ليرة لبنانية، زاد الضغط على الدولة، سواء على السلطة التنفيذية او التشريعية، حيث زاد عزم وإصرار كل موظفي الدولة على الاستمرار بالاضراب المفتوح إلى حين مساواتهم مع القضاة واحتساب رواتبهم على سعر صرف الـ8000 ليرة.
وهذا ما أكّده رؤساء الوحدات في مديرية المالية، الذين اعتبروا انّه حتى العمل لمدة يومين شهرياً بحاجة إلى ما يعادل الراتب الشهري، مطالبين باحتساب رواتبهم وفق معادلة 8000 ليرة لبنانية للدولار، والعمل على مساواة الموظفين لناحية تغطية كلفة التنقل على أساس احتساب ليترات بنزين مع الأخذ في الاعتبار مركز سكنهم. فجاء ردّ متقاعدي القوى المسلحة ليؤكّد «انّ إعطاء أي زيادة أو تسوية تفردية لموظفي وزارة المال دون باقي الموظفين والمتقاعدين، وإذا لم تتوقف مهزلة الزيادة للقضاة، سيؤدي إلى اقفال وزارة المالية مصلحة الصرفيات ومبنى الواردات بشكل دائم».
في هذا الإطار أوضح رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر لـ«الجمهورية»، انّ مسألة اضراب موظفي القطاع العام كانت قد وصلت إلى حلحلة، حيث» كنا توصلنا إلى اتفاق مع رئيس الحكومة على إعطاء نصف راتب شهري قبل إقرار الموازنة، وراتب إضافي بعد إقرارها، على أن يلتزم الموظفون بالحضور يومي الثلثاء والخميس، إلّا أنّ زيادة رواتب القضاة حوالى 5,5 أضعاف نسفت الاتفاق و«فتحت فتوحاً» لم يعد بالإمكان معالجته سوى عبر المساواة بين كافة الموظفين».
وأشار إلى أنّ القضاة بلغوا مرحلة سيئة جداً بسبب وضعهم المالي، وهم يستحقون زيادة اجورهم، ولكن كان من المفترض أن تتمّ مقاربة الموضوع بشكل شامل وواضح لمسألة الأجور، وليس مضاعفة رواتب فريق معين 5 أضعاف من دون قانون، وإعطاء مساعدة اجتماعية تساوي نصف راتب للفريق الآخر.
وأسف الأسمر، انّه بعد أن سلكت مسألة الإضراب طريق الحلحلة، أتت زيادة القضاة وما يُحكى عن زيادة مثلها للنواب والوزراء «وهذا حق للجميع خصوصاً انّ بعض النواب والوزراء ليس ميسوراً ولا يملك مدخولاً آخر. معتبراً انّ زيادة القضاة، رغم أنّها محقة، فاقمت الواقع المرير أكثر فأكثر، خصوصاً انّه لا توجد إيرادات لتمويل اي زيادة في رواتب القطاع العام حالياً، علماً انّ زيادة بدل النقل لم تُترجم بعد بسبب عدم توفر التمويل لها.
وشكّك الأسمر في ان تكون زيادة رواتب القضاة، مبادرة فردية من حاكم مصرف لبنان والمصارف، بل يجزم انّ هناك اتفاقاً ضمنياً سياسياً حولها.
ورأى انّ الأفق مسدود ولا حلّ لأزمة رواتب القطاع العام قبل إقرار الموازنة ورصد الإيرادات اللازمة، علماً انّ الموظفين لن يرضوا بعد اليوم بأي زيادة تقلّ عن احتساب رواتبهم على سعر صرف 8000 ليرة. مشيراً إلى أنّ صرخات موظفي كافة المؤسسات والإدارات العامة ستبدأ تعلو، مطالبة بإنصافها، وعلى غرار موظفي المديرية المالية ومتقاعدي القوى المسلحة، سنشهد صرخة القطاع التربوي الرسمي والمتقاعدين والقطاع الصحي وغيرهم… وكما أُقرّت سلسلة الرتب والرواتب في 2011 بدءاً من إقرار سلسلة رواتب القضاة، هكذا سيحصل اليوم، «ولكن كيف سيتمّ تمويلها؟».