برز اهتمام لافت الاسبوع الماضي بملف النازحين السوريين، بدأه رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي لحل هذا الملف القديم – الجديد، من خلال محاولة خرق في جداره الشائك، عبر تشكيل لجنة وزارية مولجة متابعته، وعقد اجتماعات تشاورية تنسيقية، وكلّف بهذا الموضوع وزير المهجرين عصام شرف الدين، الذي اعلن متابعته الملف مع الهيئات السورية لمناقشة الخطة الموضوعة، وبأنّ دمشق ابدت تفهماً، فسادت اجواء تفاؤلية بإمكان حل الملف، حتى ولو تطلّب الامر سنوات وسنوات.
في المقابل برزت مطالب اميركية واوروبية خلال إنعقاد “مؤتمر بروكسل 3” في شهر ايار الماضي، لوقف اعادتهم الى سوريا وإطالة أمد النزوح في لبنان، ما يؤكد على السعي الدولي والعالمي لتوطينهم على الاراضي اللبنانية، مع ما قد ينجم عن ذلك من تداعيات سلبية على البلد، الى ان كان التصريح اللافت مع إعلان المدير العام للامن العام اللواء عباس إبراهيم من طرابلس، بأنهم قدّموا عرضاً يقضي بتأمين عودة آمنة للنازحين، بعد حصولهم على ضمانة القيادة السورية لكنه رُفض دولياً، لافتاً الى ان لا نيّة لدى المجتمع الدولي لإعادة النازحين الى بلادهم، وهناك دول كبرى تعرقل عودتهم بحججٍ عديدة.
هذا التصريح كان كافياً لمعرفة مدى وجود نيّة خارجية بإبقاء النازحين في لبنان، وصولاً الى توطينهم ضمن طبخة سياسية نارها هادئة، أي خطة مبطنّة خفية تتسلّل وتصل الى مبتغاها، في وقت يشهد فيه لبنان كل انواع الازمات والإنهيارات، ما أكد المخاوف اللبنانية من قيام المجتمع الدولي بحلّ قضية النازحين السوريين على حساب لبنان، ومن هنا نستذكر ما قاله قبل سنوات الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون، خلال تصريحه الصاعق حول حق اكتساب اللاجئين السوريين للجنسيات في البلاد التي يلجؤون اليها، ما يمكن ان يفتح باب توطين السوريين في لبنان، كردّ على موقف لبنان حينها على وزير الخارجية جبران باسيل، وعلى الملاحظات التي كان قد رفعها حول القرار 2254، في الشّق المتعلّق بـالعودة الطوعية للاجئين السوريين الى بلادهم .
الى ذلك اشارت مصادر سياسية مواكبة لملف النازحين منذ بدايته، الى انّ هذه المشكلة كانت وما زالت متربّعة لانها من أصعب ما يواجه البلد، وبالتالي فإن نقطة الضعف هذه ستكون المحور الاساسي، الذي يتطّلب من القادة السياسيين، اتخاذ قرار موّحد وعلني من الجميع، على غرار ما اعلن رئيس الجمهورية ميشال عون منذ سنوات برفض التوطين بكل أشكاله، لان كلمة “توطين” عادت تدّب الرعب في نفوس اللبنانيين، بحيث لم يجد هذا الملف طريقاً بعد الى حلول عملية تنظر جدياً بأوضاع هؤلاء، ليصبح تأثيره على لبنان كالكارثة التي ساهمت في تردّي اوضاعه من كل النواحي.
وذكّرت هذه المصادر بأن اتفاق الطائف أدخل بند رفض التوطين في الدستور، ليؤكد الإجماع اللبناني عليه. أي ان المطلوب اليوم إعلان هذا الرفض علناً ومن كل الاطراف من دون أي استثناء، مشدّدة على ضرورة ألا تؤدي المذهبية دورها مجدّداً كما أدته خلال الحرب اللبنانية تجاه الفلسطينيين، من قبل احد الافرقاء السياسيين الذي سار على الخط المذهبي اولاً، ومن هذا المنطلق على جميع الافرقاء ان يتصدّوا لهذه المؤامرة الخارجية، لافتة الى ان أنّ الاحزاب المسيحية سبق ان توحدّت على رفض توطين النازحين، وعلى رفض بحث أي اقتراح في هذا الاطار، لان لبنان ليس المسؤول الوحيد عن معاناة الشعب السوري، فهنالك الدول العربية التي كان همّها الوحيد رفع المسؤولية عنها، فيما لبنان يدفع دائماً الاثمان عن الكل، آملة توحيد المواقف خصوصاً في المسائل المصيرية، اذ لا يمكن للبلد ان يجمع اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين على اراضيه ، في الوقت الذي ينزف فيه ولا يستطيع تقديم ابسط مقومات العيش للبنانيين.
صونيا رزق – الديار