في زمن تحوّل المصارف في العالم الى بنوك رقمية، عاد لبنان الى عصر الحدّ من استخدام العملات الورقية بعدما اصبح الاقتصاد يعتمد حصراً على التعاملات النقدية واصبح القطاع المالي بعيداً جدّاً من تحقيق الشمول المالي الذي كانت تطمح اليه المصارف اللبنانية. وهناك محاولة الآن لتشجيع استخدام بطاقات الدفع الائتمانية.
بعد حظر المصارف استخدام بطاقات الإيفاء أو الدفع أو الائتمان المصدّرة في الأسواق اللبنانية، بالدولار، في الخارج كَون دولارات أصحاب تلك البطاقات لم تعد ذات قيمة حقيقية، انحصر استخدام البطاقات الائتمانية محلياً، ولو بشكل جزئي بالنسبة للحسابات بالليرة اللبنانية، وبنسبة أقلّ لحسابات الدولار الوهمي (اللولار) التي يقبل بعض نقاط البيع التسديد من خلالها على اسعار صرف مختلفة تتراوح بين 4000 ليرة وصولاً الى 8000 ليرة للدولار.
وسط هذا الواقع المأساوي، أصدر مصرف لبنان تعميماً للمصارف والمؤسسات المالية وللمؤسسات والشركات اللبنانية والأجنبية المرخّص لها، لإصدار بطاقات إيفاء أو دفع أو ائتمان، بتعديل نظام التسوية الإلكتروني العائد لبطاقات الإيفاء أو الدفع أو الائتمان المصدّرة في الأسواق اللبنانية والمستعملة محلياً على أجهزة نقاط البيع (POS)، حيث سيتم إنشاء نظام التسوية الالكتروني في المركز الرئيسي لمصرف لبنان. وتتم من خلال هذا النظام تسوية حسابات «المشتركين» نتيجة استعمال «البطاقات» بالليرة اللبنانية، محلياً، على أجهزة نقاط البيع POS، اما العمليات المنفذة على هذه الاجهزة بالدولار الاميركي فتتم تسويتها، حصراً، عبر شركتي Visa و Mastercard في الحسابات ذات الصلة المفتوحة في الخارج.
ونَصّ التعميم على وجوب طلب شركات بطاقات الايفاء او الدفع او الائتمان او المؤسسة المنتدبة، فتح حساب لدى مصرف لبنان بالعملة اللبنانية، تجميد مبلغ بالعملة اللبنانية لتأمين تسوية العمليات المرسلة من قبلها الى مصرف لبنان لتنفيذها في حسابات المشتركين المفتوحة لضمان تغطية الرصيد المدين الناتج عن التسوية في حال تعذّر تسديده من قبل المشتركين.
كما يتوجّب تسديد الكلفة التشغيلية والنفقات التي يتكبدها مصرف لبنان لقاء إتمام عمليات التسوية وفقاً للاصول التي يحدّدها الاخير على اساس عدد رسائل المدفوعات الالكترونية التي يستقبلها.
وطلب التعميم عدم تحميل العملاء رسوم او عمولات تخرج عن العادات المألوفة المتعارف عليها لقاء إتمام عمليات الدفع بواسطة البطاقات المصدرة محلياً بأي عملة كانت ولقاء عمليات التسوية.
ماذا يعني هذا التعميم؟
بموجب هذا التعميم سيصبح هناك مصطلح جديد ينضَم الى المصطلحات المبتدعة بعد الأزمة، وسينضم الى حسابات الدولار الـfresh وبطاقات الدفع الـfresh، فئة جديدة هي حسابات الليرة الـfresh واليورو الـfresh وبطاقات دفع ليرة ويورو fresh. أي انه بالخلاصة، تمّ وقف كافة بطاقات الدفع القديمة بـ«اللولار» على ان يَلي هذه الخطوة توقّف قبول بطاقات الدفع الحالية بالليرة أيضا! لأن هذا التعميم خلق نظاما جديدا يعتمد على الاموال الجديدة فقط، ولا يتعامل بالودائع العالقة في المصارف إن كانت بالدولار أو الليرة او غيرها من العملات. حيث سيتم فتح حسابات جديدة بالـfresh الليرة، على غرار حسابات الـfresh دولار واصدار بطاقات دفع جديدة لها. أي ان العملاء الذين يودعون من اليوم وصاعدا اموالا نقدية بالليرة او الدولار في حسابات جديدة قد تكون متفرّعة عن حساباتهم الحالية القائمة بالليرة، هم فقط مولوجون استخدام بطاقات الدفع بالليرة او الدولار الـfresh.
اما اصحاب الحسابات القديمة العالقة باللولار او بالليرة، فلن يكونوا مخوّلين استخدام تلك الاموال عبر بطاقاتهم الائتمانية كما هي الحال اليوم. وسيتم تعديل أجهزة نقاط البيع POS بحيث تستقبل فقط، بطاقات الحسابات الـfresh إن كانت دولاراً او ليرة او يورو! مما يؤكد مجدداً ان الودائع القديمة العالقة في المصارف أصبحت في خبر كان، من دون اي قيمة فعلية بانتظار مصيرها الذي ستقرره خطة التعافي المنتظرة، ليصبح في غضون ذلك التعامل فقط في القطاع المصرفي مع الحسابات الـfresh حصراً لناحية المدفوعات الالكترونية.
في المقابل، فإنّ كلّ ما هو مصنّف حسابات قديمة سيبقى خاضغاً للتعاميم السابقة واللاحقة الصادرة عن مصرف لبنان، اي التعميم 158، 154 وغيرها التي تجيز سحب 800 دولار شهرياً 400 نقداً و400 بالليرة وغيرها من التعاميم التي تحدد سقوف السحب من حسابات الليرة اللبنانية القديمة.
لكنّ المعضلة تبقى قائمة بالنسبة لحسابات توطين الرواتب والاجور للموظفين، بحيث لن يعود في امكانهم استخدام بطاقاتهم الائتمانية لسحب رواتبهم إن نقدا او من خلال نقاط الدفع الالكترونية، لأنّ رواتبهم محوّلة من حسابات قديمة لشركاتهم، مما سيستوجب على المؤسسات والشركات التي تريد مواصلة توطين الرواتب شهرياً، تأمين الاموال نقداً للمصارف.
وبالنسبة لهدف مصرف لبنان من هذا التعميم، فهو الحَدّ، أوّلاً، من مخاطر حمل العملاء لمبالغ نقدية كبيرة لزوم دفع كلفة مشترياتهم واستهلاكهم لمختلف السلع والخدمات. وثانياً، الحَدّ من تداول العملات النقدية في السوق، والاهمّ، امتصاص النسبة الاكبر من السيولة النقدية المتداولة، بهدف لجم التضخم قدر المستطاع. علماً ان العملاء فقدوا كامل الثقة في المصارف وقد لا يرغبون في فتح حسابات جديدة وايداع اموال fresh فيها، إلا ان تعويل القطاع المصرفي يبقى على استعادة هذه الثقة تدريجاً بحيث لا يُتوقع ان يتم فتح حسابات كبيرة بل ايداع مبالغ بسيطة للاستهلاك الشخصي، تسمح ايضاً للمغتربين بتحويل اموال من حساباتهم في الخارج اليها من اجل إنفاقها في لبنان كَون نقل الاموال نقداً بمبالغ تتعدى الـ10 آلاف دولار غير ممكن. ولكن في حال كانت العمولات التي ستتقاضاها المصارف او الشركات المالية المعنيّة غير مقبولة، فإنّ الاعتماد على السيولة النقدية سيبقى قائما خصوصا انّ المستهلك أصبح متعلّقاً بالنقدي، ويعتبره اكثر طمأنينة.