كتب لؤي فلحة في “الأخبار”: في عيد تأسيس المتحف الوطني، في 4 حزيران الفائت، أعلن وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال محمد وسام المرتضى عن اقتراب لبنان من استعادة لوحات من الفسيفساء تعود إلى العصر البيزنطي كانت قد سُرقت وهُرّبت إلى الخارج خلال فترة الحرب الأهلية. خبرٌ أعاد تسليط الضوء على أهمية قضية الآثار اللبنانية المسروقة، والجهود المبذولة من قبل المعنيين في الدولة اللبنانية من أجل استعادتها
تعرّضت المواقع الأثرية في لبنان للنهب المبكر، وخصوصاً عند نهاية الحقبة العثمانية وبداية الانتداب الفرنسي، غير أن أكبر السرقات كمّاً ونوعاً حصلت إبّان الحرب الأهلية، وتحديداً عام 1981. حينها، تعرض مستودع في منطقة جبيل يضمّ العديد من القطع الأثرية التي جرى نقلها من معبد أشمون في صيدا عام 1979 إلى السرقة. إضافة إلى السرقات المباشرة، تأثرت المواقع والقطع الأثرية اللبنانية سلباً بالحرب الأهلية والاعتداءات الإسرائيلية، ولا سيما على صعيدَيْ الاهتمام والاستكشاف، فبينما كانت المواقع الفينيقية في بلدان أخرى تحظى باهتمام لافت، كانت العديد من المواقع الأثرية اللبنانية مهملة ومستباحة بسبب غياب السلطات وضعف الرقابة، أو تتعرّض لاعتداءات مثل موقع كامد اللوز الأثري الذي تعرّض لأشنع أشكال الجرف من قبل العدو الإسرائيلي.
4% من المسروقات
بلغت حصيلة القطع الأثرية المسروقة التي أحصتها وزارة الثقافة، والتي تمّ وضعها على لائحة ART loss register (مؤسسة مركزها لندن وتملك أكبر قاعدة بيانات في العالم حول القطع المسروقة والضائعة) بحوالى 434 قطعة، لكن الرقم قد يكون أعلى، على اعتبار أن العديد من القطع الأثرية سُرقت من حفريات غير شرعية على الأراضي اللبنانية، وبالتالي تستحيل عملية إحصائها. حتى الآن، تمكنت الدولة اللبنانية من استعادة 15 قطعة أثرية مسروقة، أي أن نسبة القطع المسترجعة لم تتجاوز الـ4% من مجمل القطع المسروقة. رقم متواضع، لكنه ناتج عن عوامل عدة، أبرزها أن عملية استعادة قطع الآثار المسروقة بشكل عام ليست بالأمر السهل خصوصاً مع تمرّس سارقي الآثار وقدرتهم على إخفاء القطع خارج الحدود وتهريبها، ما يدرّ عليهم مبالغ مالية ضخمة. كذلك ساهمت المدة الزمنية الطويلة نسبياً، بين وقت حدوث عمليات السرقة وبين البدء بمسار استرجاع القطع المسروقة، في تعقيد عمليات الاسترجاع وطمس العديد من الحقائق المتعلقة بعمليات السرقة.
استعادة الموزاييك
في هذا السياق، يأتي إعلان وزير الثقافة عن قرب استعادة قطع من الموزاييك تعود إلى العصر البيزنطي كانت قد سرقت خلال الحرب الأهلية. وفي تفاصيل عملية الاسترجاع، تتابع وزارة الثقافة اللبنانية هذا الملف مع مكتب المدعي العام في نيويورك بهدف استرجاع القطع اللبنانية التي هي عبارة عن مجموعة تعود إلى حفريات غير مشروعة جرى إخراجها من لبنان بطريقة غير شرعية، وذلك من خلال اتباع الأصول القانونية ضمن التعاون المستمر مع المدّعي العام في الولاية الأميركية والذي ساهم سابقاً بإعادة قطع مسروقة إلى لبنان عام 2017. يومها، خاضت المديرية العامة للآثار نزاعاً قانونياً في الولايات المتحدة، ولجأت إلى مكتب محاماة أميركي من أجل استعادة قطعة أثرية كانت معروضة في متحف «المتروبوليتان» في نيويورك، كما استعانت بعالم آثار سويسري من أجل إثبات لبنانية قطعة أخرى موجودة في أميركا أيضاً، وبالفعل نجحت جهود مديرية الآثار في إثبات لبنانية القطعة واسترجاعها. كما توجد حالياً في القنصلية اللبنانية في نيويورك قطعة أثرية لبنانية جرى استردادها. ومن أبرز القطع المسترجعة رأس ثور رخامي أبيض يعود إلى عام 360 قبل الميلاد وكان قد استكشف خلال حفريات في معبد أشمون في ستينيات القرن الماضي.
(الأخبار)