كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
دخلنا زمن البحث عن حليب الأطفال، أهلاً بكم في جمهورية الفساد والإحتكار، أطفال بلا حليب، آباء يطرقون كل الأبواب من دون جدوى، أمّهات ضائعات ماذا يطعمن أطفالهن، فالحليب مقطوع، ولا بوادر بتوفّره في المدى المنظور، ولا عجب إن بدأ البحث عن مرضعات بالإيجار هذه الأيام، وهذا ما سجّلته منطقة النبطية، حيث لجأ أهالٍ كثر للبحث عن مرضعات لأطفالهم بالايجار تجنباً لوقوعهم في الجوع، وهناك من لجأ إلى شراء حليب «بالفلت» ما ترك آثاره السلبية على صحة الطفل، من إسهال، وحرارة، وسوء تغذية وغيرها. وحدها وزارة الصحة تتحمّل تبعات ما يحصل لأطفال لبنان الذين تتعلق حياتهم بالحليب.
صحّة الأطفال في خطر، أمراض مجهولة بدأت تصيبهم، عوارض صحيّة بالجملة تسجّل عليهم، تدفع بهم نحو المستشفيات والبحث عن السبب يتوقف على سوء التغذية، فالحليب مقطوع والفيتامينات «نار» فما هو حال الأطفال والأهالي هذه الأيام؟
منذ أيام وحليب الأطفال مقطوع، وربّما لن يتوفر مجدداً قبل رفع الدعم، إنه عصر انهيار القيم، فأخطر الأزمات فقدان حليب الرضع من يوم حتى سنة، فقط لأنه ما زال مدعوماً بنسبة 50 بالمئة، ما حتّم على الأهالي أن يقعوا فريسة التجار، الذين يضغطون في كل الاتجاهات لتحقيق مزيد من الأرباح ولو على حساب الأطفال الرضع اليوم.
منذ الأمس يبحث وسيم عبثاً عن حليب لطفلته التي بلغت الشهر تقريباً، لم يترك صيدلية إلّا ودقّ بابها، وحده الجواب «مقطوع، مش موجود، فتش أكثر» هو الذي يتلقّاه، ما وضعه في حيرة من أمره «ماذا أفعل؟ كيف أطعم ابنتي؟». سؤال خيّم على كل الأهالي بالأمس، في ظل ارتفاع حالة القلق لديهم، ماذا لو لم يتوفّر الحليب واستمرّت الأزمة أكثر من أسبوع، أي حال سيحلّ بالأطفال؟
لا يخفي الصيدلي محمد الحج صعوبة الأزمة، بل يقول إنها الأصعب، فحليب الأطفال رهينة لدى مصرف لبنان الذي يرفض توقيع الاعتمادات، من دون أن يغفل دور الشركات التي تحتكر السوق وتحجب الحليب عن الأطفال بانتظار رفع الدعم، يؤكد الحج أن الحليب مدعوم بنسبة 50 بالمئة و50 بالمئة وفق سعر الصرف، وأن الأزمة ما هي إلا ضريبة أخرى يدفعها المواطن قبل رفع الدعم، حينها ستصبح علبة الحليب بـ350 ألف ليرة وربما أكثر، ما يعني أن المواطن يحتاج الى مليونين و400 ألف ليرة شهرياً فهل سيتحمّل هذا الأمر؟».
ارتفعت في اليومين الماضيين أصوات تدعو للعودة الى الرضاعة الطبيعية، فهي تحلّ الأزمة، أضف أن الأطفال يتلقّون حليباً طبيعياً 100% ومغذياً، وهذا ما تؤكده مريم وقد قرّرت العودة للرضاعة الطبيعية، بعدما ذاقت الويلات من انقطاع الحليب، بحسبها كان صعباً عليها اعتماد الرضاعة الطبيعية، «ولكن هل أترك طفلي بلا حليب، هل أضعه رهينة التجار المحتكرين؟ حرام عليهم أن يتاجروا بصحة أولادنا، رفعوا سعر الحليب أول مرة وتقبلنا، ولكن أن يُخفوه فهذه جريمة لا تغتفر، أين القانون والدولة؟».
ربما تكون مريم واحدة من الأمّهات اللواتي قرّرنَ مواجهة الأزمة بحل طبيعي، غير أن فاطمة ما زالت تبحث عن حليب لابنها ذي الثلاثة أشهر، منذ ثلاثة أيام، وصلت الى بيروت، «حتى أنني قد اضطر لاستبدال حليب الأطفال بأي حليب لأجل طفلي، رغم يقيني أنه قد يضرّه، خاصة أن معدته قد لا تحتمل».
يؤكد طبيب الأطفال الدكتور الياس خطورة الأزمة على الأطفال، فالحليب رقم 1 و2 مقطوع نهائياً، والأهالي يستعيضون عنه بأي حليب آخر متوفر ولو لعمر 3 سنوات، ما يسبب لهم الأمراض وسوء التغذية. ويؤكد الدكتور أن نسبة لا بأس بها من الأطفال دخلت الى المستشفيات في الايام الماضية بعضهم حرارة مرتفعة والبعض إسهال حاد، والسبب الحليب، جازماً ان حياة الأطفال في خطر كبير جرّاء فقدان حليب الأطفال، لافتاً إلى لجوء عدد من الأهالي لاستدانة جرعة حليب من هنا وهناك لإسكات أطفالهم.
No milk هي المعادلة التي أرستها سياسات لبنان العرجاء، فلا المصرف في وارد التنازل ولا وزارة الصحة في وارد التدخل للضغط باتجاه حلحلة هذه الكارثة، والضحية الأطفال الذين يدفعون الثمن بصحتهم، يؤكد الدكتور الياس «مناعة الأطفال باتت صفراً هذه الأيام، وبدأ يترجم سوء التغذية عليهم بنحولة أجسادهم الصغيرة، فإبن الثلاثة أشهر بات لا يتجاوز وزنه الـ4 كلغ، بسبب فقدان الحليب وهذه أخطر كارثة صحية تهدد الأطفال، هذا ناهيك بحسب الدكتور الياس عن تخلّي الأهالي عن إعطاء أطفالهم الفتيامينات المطلوبة بسبب ارتفاع أسعارها.
إذاً، صحة الأطفال في مهب التجاذبات الحاصلة بين مصرف لبنان والشركات ومن خلفهم وزارة الصحة، فهل يتم التحرك قبل فوات الأوان وخسارة طفل من لبنان بسبب فقدان الحليب؟ أو «ما حدا فارقة معو؟».