على وقع المخاوف التي لدى العديد من القوى من أزمة دستورية قد تقود إلى الإطاحة بإتفاق الطائف، يبدو أن التمسك بهذا الإتفاق هو الورقة الأساس التي يقدمها الطامحون إلى رئاسة الجمهورية للحصول على الرضا السعودي، بعد أن قرّرت الرياض أن تكون لاعباً أساسياً في هذا الإستحقاق، بغض النظر عن موقفهم من هذا الإتفاق، لا سيما بعد أن أكد البيان الأميركي الفرنسي السعودي التمسك به.في الأيام الماضية، برز أكثر من تأكيد سعودي على التمسك بهذا الإتفاق، لا بل أن السفير وليد البخاري لم يجد ما يعلق به على البيان الثلاثي، إلا الإشارة إلى أن رسالته هي أن الطائف هو “المؤتمن على الوحدة الوطنية وعلى السلم الأهلي في لبنان”، ما يعني أنّ ما يهم بلاده بالدرجة الأولى هو عدم المس به.
إنطلاقاً من ذلك، تقرأ مصادر سياسية متابعة، عبر “النشرة”، حرص مختلف القوى السياسية على تأكيد تمسكها بهذا الإتفاق، وهو ما تعبر عنه الشخصيات الطامحة للتوافق حولها، حيث بات هو المنطلق لتقديم نفسها، على أمل أن يكون ذلك المعبر الأول لها في الطريق إلى القصر الجمهوري، على قاعدة أن الرياض هي أبرز اللاعبين المؤثرين في الإستحقاق، نظراً إلى أن إنتخاب الرئيس الجديد لا يمكن أن يتم إلا من خلال تسوية.
وتلفت هذه المصادر إلى أن رئيس تيار “المردة” النائب السابق سليمان فرنجية، على سبيل المثال، حرص خلال مقابلته التلفزيونيّة الماضية على التشديد، أكثر من مرة، على تمسكه بالطائف، بالتزامن مع التأكيد على أنه شخصية عروبية، في حين أن رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل ذهب إلى زيارة دار الفتوى، أمس، للتأكيد على التمسّك بهذا الإتفاق.
قبل الإنتخابات النيابية الماضية، كان الكثيرون يتحدثون عن التوجه نحو عقد مؤتمر دولي لبحث الملف اللبناني، قيل أن الجانب الفرنسي سيتولى العمل عليه مع مختلف الجهات المؤثرة قبل الإعلان عنه، بهدف البحث في تعديلات دستورية مطلوبة، لكن هذا الطرح تراجع لاحقاً ليتم الإعلان عن التمسك بالطائف، الذي يجب أن يكون منطلقاً في أي تسوية، خوفاً من التداعيات التي من الممكن أن تترتب على فتح باب النقاش في هذا الأمر، في ظل الوقائع المعروفة على الصعيدين الدولي والإقليمي.
من وجهة نظر المصادر السياسية المتابعة، معالجة الأزمة اللبنانية لا يمكن أن تتم بمعزل عما يحصل في المحيط، حيث الصورة لا تزال غامضة ولا يمكن الحديث عن مرحلة تسويات، بل عن مفاوضات قائمة على أكثر من جبهة من غير المعروف كيف ستنتهي، وبالتالي أقصى ما يمكن التوافق عليه لبنانياً هو تمرير الوقت بالحد الأدنى من الإستقرار المحلي، أي من دون الدفع نحو المزيد من الفوضى.
على هذا الصعيد، تلفت هذه المصادر إلى الرسالة التي كان رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع قد أطلقها أول من أمس، حين تحدث عن أن السعودية لن تتعاون مع لبنان في حال وصول أي رئيس للجمهورية لا ترتاح له ومن فريق سياسي معين، حيث تعتبر أن ما أدلى به، نظراً إلى العلاقة التي تجمعه مع الرياض، مؤشر هام جداً، يمكن البناء عليه في النظرة إلى ما يمكن أن يتم التوافق حوله.
في المحصلة، تشدد المصادر نفسها على أن دعوة رئيس المجلس النيابي نبيه بري لإنتخاب رئيس للجمهورية، يوم الخميس المقبل، ستكون المسرح الأول لكشف الإصطفافات النيابية، بغض النظر عن النتيجة المحسومة لهذه الجلسة التي قد تؤجّل، على أن تنطلق بعد ذلك لعبة التوازنات المحليّة والخارجيّة، التي من المرجح أن تمتدّ إلى ما بعد نهاية ولاية عون، نظراً إلى أن الجميع لن يذهب إلى كشف كل أوراقه من الجلسة الأولى.