كتبت باتريسيا جلاد في “نداء الوطن”:
بانتظار التخريجة اللبنانية لمقترحات الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين قبل التوقيع النهائي على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، بدأت تطرح على الساحة اللبنانية تساؤلات حول تداعيات الإتفاقية على مالية “الدولة المفلسة” والإقتصاد اللبناني الريعي المنهار، في محاولة للتمسّك بقشّة إيجابية تخرجنا من قعر الهاوية.
ومن شأن تحويل لبنان الى دولة نفطية وغازية “أن يحدث تغييراً بنيوياً في اقتصاده وماليته” كما أوضح مدير مركز إشراق للدراسات الباحث الاقتصادي د. أيمن عمر لـ”نداء الوطن”، وقال: “رغم أن الصفة الاقتصادية ستبقى ملازمة له وهي الاقتصاد الريعي، ولكن الريع هنا يختلف من ريع مالي قائم على الفوائد وتثبيط الاقتصاد وشلّ حركة الاستثمارات عبر تنويم رؤوس الأموال فيه في حجرات نوم الفوائد العالية، إلى اقتصاد ريعي قائم على الموارد الطبيعية (النفط والغاز) ولكن بفارق أساسي هو تحريك عجلات الاقتصاد والإنتاج ورؤوس أموال ضخمة في صناعات النفط والغاز وتسويقها”.
ولكن الإشكالية الكبرى برأي عمر هي: “هل بإمكان لبنان أن يصبح دولة نفطية وغازية، فيتحول من سويسرا الشرق (سابقاً) إلى نروج الشرق (في المستقبل)؟”، ويضيف عمر: “التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية هي الخطوة الأولى في هذا المسار التغييري الطويل، ولكن لا يعني ذلك أننا بمجرد التوقيع تحوّلنا إلى دولة غازية – نفطية، اذ هناك عقبات وتحدّيات عدّة تحول دون تحقيق المسار المنشود، وهي:
أولاً، القدرة على تسويق الغاز وبيعه خاصة إلى أوروبا لأن العبرة ليست في اكتشاف الغاز، في ظل المنافسة غير المتكافئة مع دول المنطقة التي لها باع طويلة في هذا المجال مثل قطر ومصر والكيان الإسرائيلي. اذ لديها البنى التحتية الملائمة والخبرة في عمليات التسويق والإمكانيات المالية المطلوبة، ووضعت مشاريع وخططاً لإنشاء الأنابيب لنقل الغاز بحراً، ومحطات تسييل الغاز لنقله عبر السفن.
ثانياً، التوافق الوطني على أهمية هذه الثروة في إخراج لبنان من انهياره وفي ازدهاره وتنميته مستقبلاً، وهذا يتطلب التخلص من عقلية المحاصصة الطائفية والمذهبية، والتعامل مع هذا الملف على أنه مرتبط بالأمن القومي على مستوى الوطن ككل. وإلا إذا بقيت عقلية الـ6 و6 مكرر والمناصفة وعقلية ملف “حرّاس الأحراج” تتحكم في إدارة هذه القضية الجوهرية فإن الأزمات ستعيد نفسها وقد نصل إلى حرب أهلية يغذيها الخارج كما حدث في سوريا وليبيا.
ثالثاً، إن تسويق الغاز يتطلب بعض المنشآت التجهيزية والمتطلبات اللوجستية وهي من متممات اقتصاديات الغاز مثل الأنابيب البحرية، وهذا يتطلب استثماراً ضخماً تعجز الدولة عنه مما يستدعي الدخول في تشركة مع شركة خاصة والتي تأكل البيضة وقشرتها”.
وأعطى عمر مثالاً على ذلك: “قطر تسعى إلى نقل الغاز إلى تركيا عبر خط أنابيب يمر في المملكة العربية السعودية إلى سوريا ومنها إلى تركيا لنقله إلى أوروبا. الكيان الإسرائيلي، إضافة إلى خط أنابيب شرقي المتوسط بينه وبين مصر، أيضاً يعمل على بناء خط أنابيب في البحر المتوسط ينتهي مع نهاية 2025 لنقل الغاز إلى اليونان وإيطاليا من خلال خط يمتد 200 كلم. فهل بإمكان لبنان بناء خط أنابيب مشابه ام انه سيرتبط بأحد خطوط الأنابيب هذه؟ وإذا كان مستبعداً ذلك، فإن بناء محطة لتسييل الغاز الطبيعي – شبيهة بمحطات تسييل الغاز في مصر هو من المتممات أيضاً. وهناك دول تسعى إلى إنشاء محطات ضخمة جداً لما تمتلكه من قدرات مالية مثل محطة الزور في الكويت، محطة بحرين فلوتينغ في المنامة، وأيضاً محطة يعتزم الكيان الإسرائيلي بناءها”.
والتحدّي الرابع الذي يواجهه لبنان هو وقف ثقافة السرقة، اذ يجب، بحسب عمر، “تجنّب سرقة الموارد المالية المتأتية من إنتاج وبيع النفط والغاز، وهذا أمر غير مشجع بتاتاً في التجربة اللبنانية”، معتبراً أن “سرقة موارد الغاز والنفط غير مستبعدة بسبب وجود المنظومة الحاكمة نفسها، وغياب سلطة قضائية تحاسب، وجزء من الشعب أفسد من طبقته الحاكمة”.
يبقى التحدّي الخامس والأخير “استكمال عملية ترسيم الحدود البحرية شمالاً، وإبرام عقود مع الشركات العالمية لاستكمال استخراج الغاز والنفط من باقي البلوكات”.
وانطلاقاً من تلك المعوّقات، تبقى الإفادة الإقتصادية والمالية من ترسيم الحدود واستخراج النفط، امراً بعيد المنال ولا يمكن التعويل عليه لانتشال لبنان من أزمته في المدى المنظور.