لم تهدأ بعد العاصفة الكلامية التي افتتحها السفير السعودي في بيروت وليد البخاري ضد العشاء الذي دعت إليه السفارة السويسرية في بيروت، تمهيداً لمؤتمر حواري يُعقَد حول لبنان في جنيف الشهر المقبل، فيما بدت البلاد مشدودة الأعصاب على وقع تشاؤم مشوب بانتظار ثقيل لإعادة تفعيل الاتصالات المتعلقة بتشكيل الحكومة، والتي باتت ولادتها بالنسبة إلى معظم القوى السياسية «مسألة أيام» قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون نهاية الشهر الجاري.
وعلى وقع الفراغين، أجمعت مصادر حزبية ورسمية وأمنية ودولية في لبنان على تناقل سفارات أوروبية عدة، من بينها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وسويسرا وألمانيا، معلومات عن «خشية من حصول فوضى أمنية تنطلق من الشمال، ومن أن يكون هناك من يسعى إلى استخدام الشمال كبؤر متطرفة مؤيدة للتنظيمات الإسلامية التكفيرية لإطلاق موجة أمنية تهدد استقرار البلاد برمّتها».ومع أن الأجهزة الأمنية اللبنانية على اختلافها تؤكد «عدم وجود مؤشرات واقعية أو معطيات دقيقة تعزّز هذه التحذيرات، إلا أن غالبية القوى السياسية والرسمية تتعامل بحذر شديد وبجدية مع التحذيرات الواردة حول احتمال نشوب فوضى أمنية في أكثر من منطقة وخصوصاً الشمال». وفي حين قالت مصادر سياسية لـ”الأخبار”في طرابلس وعكار إن «هناك مبالغات الهدف منها الإساءة إلى الشمال مجدداً»، لفتت إلى أن «القوى الأمنية اللبنانية وغير اللبنانية تعمل بنشاط كبير ويمكنها التثبت من حقيقة التحذيرات»، من دون أن تنفي وجود كميات كبيرة من الأسلحة الفردية أو المتوسطة في أكثر من منطقة شمالية، كما تقر بحصول عمليات تهريب للأسلحة من تجار يعملون بين لبنان وسوريا، لكنها تعتقد أن هذه الأسلحة «غير كافية ما لم يتوافر العنصر البشري، بجانبيه القيادي والمهني». وقالت المصادر إن كل «الحديث عن عودة آلاف من العناصر التي شاركت في القتال إلى جانب المسلحين في سوريا ليس دقيقاً على الإطلاق، بل هناك هجرة معاكسة تحصل الآن باتجاه شمال غربي سوريا أو العراق».
وكانت معطيات أمنية أشارت إلى تعاظم تجارة السلاح المهرب عبر الأراضي السورية إلى لبنان من خلال شبكة تهريب تقوم بأعمال لا تنحصر في تجارة السلاح. وأشارت المعطيات إلى أن تجارة الأسلحة لم تعد تقتصر على رشاشات فردية أو مسدسات حربية بل شملت قاذفات آر بي جي ومدافع هاون وقنابل وألغاماً ومتفجرات. ولفتت إلى أن السلطات السورية عمدت إلى توقيف عدد من التجار السوريين وأقفلت معابر كثيرة مع لبنان، لكن الأجهزة الأمنية تؤكد استحالة إقفال تام للحدود.
في موازاة ذلك، بدا أن القلق المحلي من احتمال حصول إشكالات يسيطر على جميع القوى من دون استثناء، بمن فيها تلك التي تخشى أن تكون هناك جهات خارجية تريد توتير الوضع في لبنان في سياق الضغط للإتيان بقائد الجيش العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية. فضلاً عما نقلته مصادر رفيعة المستوى، عن أن «إنجاز ملف ترسيم الحدود البحرية، لا يعني أن البلاد ستدخل مرحلة مستقرة، بل على العكس فإن الأميركيين والإسرائيليين مستمرون في مخططهم ضد حزب الله»، وأن «هناك معطيات تؤكد أننا مقبلون على مرحلة أخطر بكثير من الفترة السابقة»، مستغربة «تجاهل الكلام عن شبكات التجسس وعدد العملاء الكبير بالآلاف بالتزامن مع المعطيات التي تتحدث عن أعمال تخريبية سيشهدها البلد». وبناء على ذلك، جرت مشاورات بين أطراف عدة لإشاعة مناخات توافقية تمنع أي توتر يقود إلى إشكالات أو يسمح لعواصم إقليمية وغربية باستغلال الشحن السياسي للقيام بفوضى أمنية.
لا معطيات لدى الدولة عن تأسيس خلايا لكن عن تعاظم تجارة السلاح
وتبين أن اتصالات مكثفة جرت بين حزب الله ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ركزت على هذا الجانب، وكان لافتاً بالنسبة لبري وحزب الله كلام الحزب الاشتراكي عن ثوابت رئيسية لديه في المرحلة المقبلة في ما يتعلق بالتعامل مع الملفات الشائكة.
ونقل عن مصدر مطلع قوله إن جنبلاط أعرب صراحة أمام بري وحزب الله عن هواجسه من حصول فوضى أمنية متنقلة في لبنان، وأنه يعمل على تنفيس الاحتقان في المناطق التي يتمتع فيها بنفوذ كبير. وشدّد على أن قراره نهائي بعدم الدخول في أي جبهة تحرّض على سلاح المقاومة، وأنه يتعامل مع هذا الملف على أساس أنه متصل بأوضاع إقليمية ودولية، كما أكد انه قرر الابتعاد عن الحلبة السورية ولن يتعاطى في الشأن السوري إلا في ما خص محاولات التضييق على دروز منطقة السويداء، وأنه في المقابل يركز على ضرورة مواجهة مخططات تقوم بها إسرائيل لبث الفتنة في أكثر من منطقة. وشدد جنبلاط على أن التوتر في العلاقة مع القوات اللبنانية سببه الخشية من تهوّر يقود البلاد إلى ما لا تحمد عقباه، لكنه شدد على أن علاقاته الخارجية تخصه وحده، وأن علاقته مع السعودية ثابتة ولن تتغير، وأنه يريد علاقة هادئة مع حزب الله، أي «لا تحالف ولا معركة»، بينما يظهر الحزب حريصاً أيضاً هذه الفترة على «هدوء العلاقة ونزع أي فتيل تفجير».