كتب نقولا ناصيف في الأخبار
بعد حسم الجلسة السادسة للبرلمان، الخميس الفائت، الجدل في آليّة تطبيق المادة 49 لانتخاب رئيس للجمهورية، بات المسار الجديد للاستحقاق، دونما أن يتقدّم حتماً، يدور حول أحجام الكتل وقدرتها على الاستقطاب للتجريب لا للانتخاب المؤجّل الى أمد غير معروف
ليست الأوراق البيض كما التصويت للنائب ميشال معوّض وسواه كما لمعتمدي الأوراق الملغاة سوى إمرار الوقت والتعامل مع الجلسات تباعاً على أن تلك من عدّة الشغل. ذلك ما لم يحدث في سنتين ونصف سنة من شغور الرئاسة الأولى عامَي 2014 – 2016 عندما لم يُتح سوى انعقاد الجلسة الأولى في الشهر الأول للمهلة الدستورية (23 نيسان 2014)، واكتفت بدورة اقتراع واحدة، من بعدها لم يلتئم البرلمان في أي دورة اقتراع وإن أولى أخرى، بحيث أرجئت الجلسات الـ 45 بسبب عدم اكتمال نصاب الانعقاد.
النتيجتان نفسهما سواء التأم في دورة واحدة مرة بعد أخرى أو لم يلتئم، ما دام ما يفصل بين الجلسة والتي تليها إقفال رئيس المجلس نبيه برّي محضرها كي يصير إلى أن تستهلّ كل جلسة بعدها بدورة أولى. هذه أيضاً من عدّة شغل تعذّر الانتخاب. ذلك يعني أن انتخاب الرئيس لا يُقارب على أنه استحقاق دستوري ملزم وحتمي بسبب انتهاء ولاية الرئيس السلف، بل كاستحقاق سياسي مهمته الأولى والرئيسية، من الآن، تحديد معالم الولاية المقبلة وأحجام القوى ونفوذها وتوازناتها. على نحو مطابق تماماً، راحت تؤلّف أو لا تؤلّف حكومات العهدين الأخيرين منذ اتفاق الدوحة عام 2008. لم يكن الصراع على الرئيس المكلف فحسب، بل على الحكومات التي ستحكم فعلاً الى جانبه وأحياناً من فوقه.
ما يجبه انتخاب الرئيس المقبل للجمهورية هو هذا التحدي القائم. ليس الرئيس وحده المعني، بل أي دور للقوى التي سيدور في فلكها أكثر مما يفترض أن تدور هي في فلكه.
لذا، جلسة بعد أخرى، تتضاعف الصعوبات المؤجِّلة لانتخاب الرئيس. لا تقلّ الأسباب المحلية أهمية عن الحجج الإقليمية والدولية يُظَنُّ أنها تقارب انتخاب الرئيس اللبناني الجديد في سياق توازنات إقليمية نشأت أو ستنشأ في مدى قريب أو بعيد. في الداخل للتجاذبات السياسية ألف حساب وحساب:
1 – بينما يقول أفرقاء إن حزب الله جزم بتأييده النائب السابق سليمان فرنجية على أنه مرشحه الوحيد وإن غير المعلن، يعتقد بعض آخر أن دعم الحزب لم يرقَ بعد الى ترشيحه نهائياً بسبب العقبة الكأداء التي تمثّلها معارضة رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل انتخابه. يعرف باسيل، كذلك مؤيدوه ومعارضوه وكارهوه، أنه الممر الإلزامي لتسهيل انتخاب الزعيم الزغرتاوي. أما ما يعرفه باسيل أكثر، فهو أن هامش تمايزه عن حزب الله واسع أكثر مما يُعتقد، ويمكّنه من التحرك بحرية فيه الى حدّ التكهن بأنه ينقلب على إرادة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. أكثر ما يعرفه باسيل أن حزب الله يحتاج إليه الى جانبه، ولأن اللعبة لم تصل بعد الى الذروة التي تقف عندها وتبدأ بعد ذاك رحلة الهبوط: حينما يقول نصر الله إن المقاومة في خطر. إذذاك ينكفئ الجميع ويعودون الى الأحجام الطبيعية.
2 – تحوّل الثلث المعطل لالتئام جلسة الانتخاب الى إحدى أدوات المواجهة. بالتأكيد لا أحد يملك ثلثَي البرلمان لفرض إرادته بفرض انتخاب الرئيس، إلا أن المتاح في الاشتباك الدائر أن سلاح الثلث وهو 43 نائباً لتعطيل جلسة الانعقاد لا يملكه الأفرقاء جميعاً. ليس في متناول الثنائي الشيعي (30 نائباً) وحلفائه (بالكاد أقل من 10 نواب) من دون الحليف وحليف الحليف باسيل (19 نائباً). إلا أن الكتل الأخرى المتضافرة في مواجهة حزب الله أضحى بين يديها بوقوف كتلة وليد جنبلاط الى جانبها (نواب حزبَي القوات اللبنانية والكتائب والمسمّون تغييريون ونواب مستقلون).
3 – مذ فقد حزب الله ما كان يتوقعه في الانتخابات النيابية الأخيرة، وهو الأكثرية المطلقة على الأقل، بات من الضروري أن لا يتساهل في الاستحقاقات المُعدَّة أساسية وربما في مقياسه استراتيجية. ذلك ما رافق انتخاب رئيس المجلس في 31 أيار الفائت. آنذاك، كان فوز برّي حتمياً قاطعاً وهو المرشح الوحيد للمنصب. بيد أن المعركة الفعلية كانت تدور بين تمسّك الثنائي بفوزه من الدورة الأولى للاقتراع وبين الجهد الذي بذله مناوئوه غير القادرين على الحؤول دونه بأن راموا انتخابه من الدورة الثانية كي تُصاب صورته بجرح ما. مع ذلك، لأن انتخاب رئيس المجلس كما الشخص من الدورة الأولى أضحى واجباً لهيبة المقاومة، فاز بمثل ما تقرّر بأن انضم باسيل الى الثنائي في التصويت. الأكثرية المطلقة التي فاز بها هي ما كان حزب الله ينتظره من انتخابات أيار. الأوراق البيض الـ 23 والأوراق الملغاة الـ 40 الملغاة في جلسة 31 أيار، هي نفسها الآن تنقلب في وجهة معاكسة، فيستعملها مَن استعملت في وجهه قبلاً.
فوز نتنياهو واضطرابات إيران عجّلا في مواصفات نصر الله؟
ليس التعامل مع انتخابات رئاسة الجمهورية إلا على صورة مطابقة لكن بصعوبة مضاعفة، هي أن الأكثرية المطلوبة للانعقاد 86 نائباً. بيد أن النصابَين، العادي والموصوف، لم يُعطيا الى الحزب. من بين الاستنتاجات التي وصل إليها حينذاك ويسترجع مغازيها الآن، أن أصوات الاغتراب كانت وراء حرمانه الغالبية المتوخاة. لا يتردد في توجيه أصابع الاتهام الى الغرب المناوئ، كالأميركيين والأوروبيين، وإلى العرب المناوئين كدول الخليج العربي باضطلاعهم بدور مباشر في «المؤامرة» عليه وتحريك ناخبي الانتشار للتصويت لخصومه. ذلك ما يقتضي أن يُفسِّر عدم تساهله في خوض الاستحقاق إلا بالمرشح الذي يطمئنه، وحدّد أمينه العام مواصفاته في 11 تشرين الثاني.
قيل وقتذاك إن خطاب المواصفات لم يكن مستعجلاً الإدلاء به، بيد أن فوز بنيامين نتنياهو بالانتخابات الإسرائيلية وتصاعد الاضطرابات في إيران، مرجعية الحزب، حملا نصر الله على إعادة النظر في التوقيت وتوجيه رسائل الى الخارج قبل الداخل عمّن يتطلّع الى أن يكون مرشحه لرئاسة الجمهورية.
لم يُسمّه علناً. إلا أن المعادلة الفعلية لمقاربته الجلسات التالية حتى الوصول الى انتخاب الرئيس، الى الآن على الأقل، تسترجع إدارته شغور 2014 – 2016 معدّلة: فرنجية أو لا أحد.