الرئيسية / مقالات / في صحف اليوم: التضخم يسابق انهيار الليرة في ظل التأزّم السياسي وقرار وزارة الصحة الجديد يساوي سعر الدواء المحليّ بالمستورد

في صحف اليوم: التضخم يسابق انهيار الليرة في ظل التأزّم السياسي وقرار وزارة الصحة الجديد يساوي سعر الدواء المحليّ بالمستورد

 

جاء في صحيفة “الشرق الأوسط”، أنّ لبنان يسير بسرعة استثنائية نحو مركز الصدارة العالمي في حصيلة التضخم التراكمي لمؤشري التضخم وانهيار العملة الوطنية، في ظل حالة «عدم يقين» مستمرة على المستوى السياسي منذ نحو 4 سنوات، وتفاقمت أخيراً مع الشغور في موقع رئاسة الجمهورية واحتدام الخلافات بشأن مهام حكومة تصريف الأعمال وصلاحياتها، فضلاً عن توسع الشلل المتحكم بمؤسسات الدولة والإدارات العامة.

 

 

وتتجه الحصيلة التراكمية لمؤشر التضخم العام لتخطي مستوى 2000% منذ أواخر العام 2018، علماً أنها انطلقت من نحو 715% منذ نهاية العام 2021. وذلك بعدما بلغ متوسّط الزيادة السنويّة في مؤشّر تضخّم الأسعار حدود 195% خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الحالي. وأيضاً، بعدما سجّل لبنان ثاني أعلى نسبة تضخّم اسميّة في أسعار الغذاء حول العالم خلال فترة الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي، حيث بلغت نسبة التغير السنوية 198%، في مؤشر تضخم أسعار الغذاء، ليحل مباشرة بعد زيمبابوي التي سجلت نسبة 353%.

 

 

 

ويسيطر الإرباك على الأسواق المالية والاستهلاكية، جراء ارتفاع المخاوف من تسجيل تراجعات قياسية إضافية في قيمة العملة الوطنية نتيجة تعاظم الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية المتداولة، البالغة حالياً نحو 72 تريليون ليرة، والمرتبطة بترقب بدء سريان رفع سعر الصرف الرسمي للدولار إلى 15 ألف ليرة اعتباراً من أول شباط المقبل، وتطبيقه أيضاً على استبدال السحوبات من الودائع بالدولار التي يجري تصريفها حالياً بسعري 8 و12 ألف ليرة لكل دولار.

 

 

وحصل تدفق مستجد للسيولة بعد مباشرة تنفيذ رفع سلسلة رواتب المنتسبين إلى القطاع العام بمعدل راتبين إضافيين شهرياً. وإلى أن تتضح توجهات البنك المركزي في إدارة تدفقات السيولة المستجدة، يتوقع مسؤول مصرفي صدور تعميم بخفض سقف السحوبات ضمن الحصص الشهرية المتاحة للمودعين الأفراد من 3 آلاف إلى 2000 دولار أو الإبقاء على الحد الأقصى للسحوبات بالليرة عند مستوياتها السارية بين 5 و8 ملايين ليرة من كل حساب، علماً أن الحد الأدنى المتوازن للإنفاق المعيشي يتطلب توفر سيولة لا تقل عما يماثل 500 دولار شهرياً.

 

وبالإضافة إلى صرف رواتب موظفي الدولة بالدولار النقدي، ما يمنحهم زيادة إضافية في المداخيل الشهرية، متأتية من الفارق بين السعر المعتمد على المنصة، والبالغ حالياً 30.5 ألف ليرة لكل دولار، مقابل نحو 42.5 ألف ليرة لسعر الدولار الواقعي في مبادلات السوق السوداء، يتكفل استمرار العمل بالتعميم رقم 158 بتأمين دفق مماثل بحصة شهرية تبلغ 400 دولار نقداً (بنكنوت) لنحو 97 ألف مودع من الأفراد في القطاعين العام والخاص. لكنهم يتكبدون، بالمقابل، اقتطاعات بنسبة أصبحت تقارب 70 في المائة على نصف السحوبات التي يتم تحريرها بسعر 12 ألف ليرة لكل دولار، علماً أن عدد المنضوين طوعاً للاستفادة من التعميم بلغ نحو 172 ألف حساب عند انطلاقه منتصف العام الماضي.

 

 

وبالتوازي، تسود مخاوف أكبر من ارتفاع مرتقب لمؤشر التضخم نتيجة تضافر العوامل المؤثرة في توقيت متزامن. فبينما شرعت وزارة المال، أوائل الشهر الحالي، بتحصيل الرسوم الجمركية بسعر 15 ألف ليرة للدولار، أي بزيادة 10 أضعاف دفعة واحدة، وما تفرزه من زيادة على ضريبة القيمة المضافة وفرض رسم جديد بنسبة 3 في المائة على معظم السلع، تستمر الضغوط على السعر الحقيقي لليرة في الأسواق الموازية للمبادلات النقدية، ليبلغ الدولار عتبة 43 ألف ليرة، معززاً بزيادات تحوطية لا تقل نسبتها عن 20 في المائة تلحق بأسعار الاستهلاك، ما يدفع بالسعر المرجعي المعتمد تجارياً إلى مستوى يقارب عتبة 50 ألف ليرة.

 

وتشكل سلة الغذاء الأساسية مكمن الخطورة التي تشي بتداعيات تتعدى النطاق المعيشي إلى الإخلال بالاستقرار الهش، في ظل تسارع وتيرة نسبة التضخم الاسمية في أسعار الغذاء، والمرجح أن تختم العام الحالي بمقاربة نسبة 250 في المائة بسبب التأثيرات الفورية المترتبة على زيادات الرسوم وارتفاع سعر الدولار إزاء العملة الوطنية، وهو ما قد يتكفل باستنزاف سريع لمفاعيل زيادات مداخيل موظفي القطاع العام. ثم يفاقم، بالمقابل، من حدة الاختلال في القدرات المعيشية لدى جزء كبير من موظفي القطاع الخاص الذين لم يستفيدوا، حتى الساعة، من زيادات مكافئة على مداخيلهم.

 

 

وريثما يجري رصد مفاعيل الارتفاعات اللاحقة بالرسوم وبأكلاف الخدمات العامة التي شهدت انضمام ارتفاع بدلات الكهرباء العامة والرسوم العقارية وبدلات إفادات الأحوال الشخصية وسواها، بمعدلات تبلغ 5 أضعاف الحد الأدنى، لتلحق بالزيادات السارية منذ أشهر في قطاع الاتصالات، أظهر أحدث الإحصاءات الصادرة عن إدارة الإحصاء المركزي، تسجيل ارتفاع شهري جديد بنسبة 14.65 في المائة في مؤشِّر أسعار الاستهلاك في لبنان خلال شهر تشرين الأول 2022، مقارنةً بنسبة 8.4 في المائة في الشهر الذي سبقه.

 

وبذلك، سجل المؤشر السنوي لتضخّم الأسعار زيادةً نسبتها 158.46 في المائة، نتيجة ارتفاعات في جميع مكوّناته، برز من بينها الارتفاع غير المسبوق في كلفة الصحّة بنسبة 270 في المائة، وهي تمثل نسبة 7.7 في المائة من المؤشر، إضافة إلى ارتفاع في أكلاف التعليم التي ارتفعت بمتوسط 191 في المائة، وبنسبة تثقيل بنسبة 6.6 في المائة، وذلك كانعكاس تلقائي للجوء المؤسسات التعليميّة والاستشفائيّة إلى التسعير بالدولار النقدي بشكل جزئي أو كلّي للخدمات التي تقدمها.

 

 

كذلك، حافظت أسعار المواد الغذائيّة على وتيرة الارتفاعات الحادة لتبلغ نسبة 203.21 في المائة، وهي تمثل نسبة تثقيل 20 في المائة من المؤشر المجمع للتضخم. ورافقتها زيادة في أسعار النقل بنسبة 195.15 في المائة، وزيادة في تكاليف المسكن (الماء والغاز والكهرباء والمحروقات الأخرى) بنسبة 254 في المائة، فيما انضمت كلفة الاتصالات إلى تعظيم مؤشر التضخم بتسجيل زيادة تعدّت نسبتها 228 في المائة، بتأثير مباشر من مضاعفة أسعار التخابر والخدمات عبر الهواتف النقّالة.

 

 

قرار جديد لوزارة الصحة: الدواء المحليّ لم يعد أرخص من المستورد

 

سألت صحيفة “الأخبار”، هل بات بالإمكان القول إن نهاية دعم الدواء قد اقتربت؟ الجواب الأقرب إلى الواقع اليوم هو «نعم»، مع صدور قرار جديد عن وزارة الصحة العامة يقضي بترشيد الدعم على أصناف من الأدوية المصنّعة والمعلّبة محلياً، والتي كانت حتى أشهرٍ قليلة مدعومة 100% بموادها الأولية. فُتحت الطريق إذاً نحو تحرير الدواء الوطني من آلية الدعم، بما ينعكس أزمة جديدة لدى المرضى الذين سيجدون أنفسهم مجدداً أمام غلاء الأدوية وفقدانها

 

 

لم يصمد قرار دعم الصناعة الوطنية للأدوية. تسعة أشهرٍ، واكتملت بعدها ولادة القرار الهجين الذي أعلنت بموجبه وزارة الصحة العامة فتح الباب أمام مرحلة جديدة من التقشّف، تطاول هذه المرّة الأدوية المصنّعة والمعلّبة محلياً. توقيت صدور القرار كان منتظراً، نظراً إلى المسار الذي سلكته حلقة الدعم، إلا أن ما يربك هو تضاؤل الخيارات أمام المرضى في الحصول على البدائل الأرخص مع قرب نهاية أسطورة «الدواء المحلي أرخص من المستورد».

 

أول من أمس، كان التطبيق العملي لهذه النهاية، مع إصدار وزارة الصحة القرار 1301 المتعلّق بـ«تسعير الأدوية المصنّعة محلياً، والمصنّعة محلياً أو الموضّبة بإجازة». قرار من ثلاثة أجزاء، قضى بترشيد الدعم على شرائح من الأدوية المحلية، مصنّعة ومعلّبة بنسبٍ معيّنة، وصلت في بعضها إلى الرفع النهائي للدعم.

 

تخفّف تدريجي

 

يبدو التخفّف من الدعم تدريجياً، إذ يُبقي القرار على الأدوية التابعة للشرائح B/C/D (تُراوح أسعارها ما بين 55.13 و316.72 دولاراً) بنسبة 55% (يُحتسب سعر مبيع الدواء على أساس السعر المجاز للصناعة الوطنية، يضاف إليه هامش ربح الموزّع وهامش ربح الصيدلي)، فيما تلحق بنسبة 45% الباقية سعر دولار السوق السوداء، والمعتمد اليوم من قبل الوزارة بـ41 ألف ليرة وفق المؤشر الأخير للأسعار.

 

أما بالنسبة إلى الأدوية التابعة للشريحة A1 وA2 (تُراوح أسعارها ما بين 5.67 و11.34 دولاراً)، فقد بلغت نسبة الترشيد 60%، تُصرف على أساس دولار 41 ألف ليرة، فيما يبقى الدعم على 40% فقط. وتخرج الأدوية المصنّعة أو الموضّبة محلياً بإجازة OTC (التي تُصرف من دون وصفة طبية) وAc-cute (الأدوية التي تُستخدم لمرات قليلة خلال العام) التابعة لكلّ الشرائح والأدوية، الموضّبة محلياً بإجازة، كلياً من حلقة الدعم، بحيث تخضع في التسعير إلى دولار الـ41 ألفاً.

 

وفي نهاية بيانها، تذكّر الوزارة بأن هذا القرار يُعمل به لمدة 4 أشهرٍ فقط، على أن يُعاد النظر بعدها في النسب والآليات المحدّدة أعلاه!

 

ماذا يعني هذا القرار؟

 

يعني أن تعيش لتشتري دواء لا أن تشتري الدواء لتعيش. هكذا يمكن اختصار ما يجري، سواء في السيناريوهات المتكرّرة لترشيد الدعم سابقاً في الأدوية المستوردة، والتي خرجت بمعظمها من الدعم (باستثناء أدوية الأمراض السرطانية وبعض أنواع أدوية الأمراض المزمنة… وباتت مفقودة في معظمها من السوق)، واليوم مع أولى مراحل الترشيد في الأدوية المحلية. والترشيد هنا ليس سوى عبارة ملطّفة جداً لما ينتظره المواطن من معاناة مع تحليق أسعار الأدوية من جهة، وفقدانها من السوق من الجهة الأخرى قبل اللحاق بها إلى الأسواق السوداء.

 

ابحث عن مصرف لبنان

 

اليوم، بدأت الوزارة أولى مراحل الترشيد في الصناعة المحلية، ملزمة بقرارات اعتباطية يحبس من خلالها حاكم مصرف لبنان الدعم عن المصانع المحلية من خلال التأخير غير المبرّر للموافقات (وتبلغ قيمتها 8 ملايين دولار أميركي لدعم المواد الأولية الداخلية في صناعة الدواء). وفي الآونة الأخيرة، لم يعد يتسرّب شيء من تلك الموافقات، حتى بات ما في ذمّة المصرف للمصانع «مهولاً»، بحسب تعبير أحدهم، ما دفع أصحاب المصانع إلى الضغط على وزير الصحة فراس أبيض، لاتخاذ إجراءات جديدة بعيدة عن مصرف لبنان. وقد تُرجم الأمر بالقرار الأخير، الذي يرجعه بعض المتابعين إلى غايتين: الأولى إرضاء المصانع الوطنية، والثانية والأهم تعويد الناس على ما هو آت… أي على الخروج التدريجي من الدعم، وفق السيناريو نفسه الذي سارت عليه الأدوية المستوردة. لكن ما يفوت وزارة الصحة أن ثمة فوارق بين الفترة الماضية واليوم، ففي السابق كان لدى المرضى خيار اللجوء إلى البدائل من الأدوية المحلية، أما الآن فلا بدائل مع اقتراب أسعار الأدوية المحلية من تلك المستوردة.

 

تخرج الأدوية المصنّعة أو الموضّبة محلياً بإجازة OTC وAc-cute كلياً من حلقة الدعم

 

أضف إلى ذلك أن ما هو باقٍ للدعم، والذي قد يعوّل عليه في عددٍ لا بأس به من الأدوية قد لا يستمر طويلاً، خصوصاً إذا ما أخذنا في الحسبان الملحوظة الأخيرة في القرار والتي أشارت من خلالها الوزارة إلى إعادة النظر في التسعير والآليات بعد أربعة أشهر. وهو ما يعني بحسب مصادر مقرّبة من الوزير أبيض «نيّته الخلاص نهائياً من الدعم عقب انقضاء هذه الفترة، بسبب المسار الذي تسلكه آلية الدعم في مصرف لبنان».

 

إلى حيث يريد، أوصل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عشرات الآلاف من المرضى. الحاكم الذي ارتضى صرف مئات الملايين من الدولارات لدعم «الكاجو» و«الكافي ميت» وشفرات الحلاقة «جيلات»، لم يجد ما يتقشّف به سوى صحة الناس، وقد تجلّى ذلك سابقاً بالتنصّل من مبلغ الخمسين مليون دولار أميركي العام الماضي، فخفّضها إلى 35 مليوناً، منها 25 مليوناً للأدوية، ويتجلّى اليوم بتشطيب أدوية من ملفات الموافقات وصولاً إلى حبسها لفتراتٍ طويلة.

 

الدعم مرفوع مسبقاً!

 

عملياً، هذه ال​سياسة​ كانت قد دفعت أصحاب المصانع إلى «التصرّف» لتسيير أمورهم، فكان البعض يعمد إلى دفع بدلات ما يستورده بالدولار الفريش «وفي حال عدم صدور الموافقة يصرّفون الأدوية على أساس ما تكلّفوا به، وكل شيء يشترونه خارج الدعم سيباع خارج الدعم أيضاً، وهذا يعني عملياً أن دولار الدواء اللبناني يسير كما دولار المستورد»، يقول أحد العاملين في مصنع محلي.

 

كما فتحت اعتباطية مصرف لبنان، وعشوائية سياسة الدعم إلى استفادة أصحاب المصانع «من ثغرة السماح لها بتصدير الدواء إضافة إلى ما تزوّد السوق المحلي به، وهو ما يطرح علامات استفهام عن آلية الدعم خصوصاً في ظلّ عدم وجود رقابة كافية من وزارة الصحة العامة لمعرفة عدالة توزيع هذه الأخيرة للسوق المحلي والخارجي، خصوصاً إذا ما أخذنا في الحسبان انقطاع أدوية كثيرة محلية منذ بدء الدعم، وعدم تلبية المصانع المحلية للسوق وفق ما كان متوقّعاً».

 

أما أبرز تجليات هذا القرار فهو انعكاسه على المرضى، إذ ارتفعت أسعار معظم الأدوية، سواء المصنّعة منها أو المعلّبة محلية. وإن كانت نسب الزيادات الكبرى متدنية، بدأت من 0.30%، إلا أن ثمة نسبة لا بأس بها تخطّت عتبتها الـ100%، فيما تخطّت أخرى عتبة الـ1000%، بنسبٍ قليلة. وهذا يعني أن الأدوية المحلية على ضآلتها، قد تكسد لأن أحداً لن يجرؤ على شرائها. في مقابل ذلك، انخفضت أسعار بعض الأدوية بفعل القرار إلا أن نسبتها لم تكن غالبة مقارنة بالزيادات الحاصلة.

 

شاهد أيضاً

قصّة إنهيار البورصة العالمية وارتباطها بالتحديات الجيوسياسية

  إستفاق العالم على خبر إنهيار في البورصات العالمية، نتيجة الخوف المستجد من تباطؤ الاقتصاد …