كتبت راكيل عتيّق في “نداء الوطن”:
من المُرتقب إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في أيار المقبل، وفق ما ينقل زوار وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي عنه، وذلك بعد تعذُّر إجراء هذه الانتخابات العام الماضي لتزامنها مع الانتخابات النيابية. وإذ تبقى الخلفيات العائلية والحزبية متحكّمة بانتخاب السلطات المحلية ما يحدّ من فعالية عملها وإنجازاتها، فضلاً عن محدودية مواردها المالية خصوصاً بعد انهيار سعر الليرة، يُطرح موضوع تعديل قانون البلديات أو توسيع صلاحيات المجالس البلدية كحلّ للمشكلات التي تواجه السلطات المحلية المُنتخبة.
ينص قانون البلديات على صلاحيات “المجالس المحلية”، وتخضع قرارات المجلس البلدي للرقابة الإدارية، فيما تظهر المواد 49 و50 من القانون (المرسوم الاشتراعي رقم 118 سنة 1977) مدى تعدُّد وأهمية الصلاحيات التي تتمتع بها البلدية والتي تمكنها من التغيير والانماء ضمن نطاقها الجغرافي. لكن الإشكالية الأساسية المطروحة لا تكمن بالصلاحيات، وفق ما يقول وزير الداخلية والبلديات الأسبق المحامي زياد بارود لـ”نداء الوطن”، بل بالإمكانيات المالية، إذ إنّ قانون البلديات ليبرالي ويُعطي المجلس البلدي ورئيس البلدية صلاحيات واسعة جداً. وتنص المادة 47 من القانون بوضوح، على أنّ كلّ عمل ذات منفعة عامة هو من صلاحيات المجلس البلدي ضمن النطاق الجغرافي للبلدية. كذلك، إنّ تعداد الصلاحيات في هذا القانون، إن بالنسبة الى المجلس البلدي كسلطة تقريرية أو لرئيس البلدية كسلطة تنفيذية، جاء على سبيل المثال لا الحصر.
الرقابة المُسبقة إستثناء
ويشرح بارود أنّه وفق القانون وليس الممارسة الخاطئة، لا وصاية على البلديات، فاعتبار أنّ وجود وصاية من وزارة الداخلية على البلديات خطأ شائع، إذ إنّ الوزارة تمارس رقابة محدودة على البلديات فقط وليس وصاية. ويوضح أنّ الرقابة هي الاستثناء في القانون وليست القاعدة، إذ إنّ قرارات المجلس البلدي ورئيس البلدية نافذة بذاتها، أي تُطبّق من دون أي إجراء إضافي، إلّا في بعض الاستثناءات التي تستدعي مصادقة من سلطة الرقابة، فهناك قرارات لكي تصبح نافذة تستوجب موافقة القائمقام أو المحافظ أو وزير الداخلية، وذلك بحسب طبيعة القرار ونوعيته. لكن حتى هذه الرقابة استثنائية، فليست كلّ القرارات تتطلّب رقابة، فضلاً عن أنّه بعد مرور مهلة زمنية معيّنة من دون ردّ القرارات بقرار معلّل، تصبح هذه القرارات نافذة.
وهذا يعني، وفق ما يقول بارود، أنّ المشكلة ليست بصلاحيات البلديات بل بطريقة ممارستها، وكيف نجعل هذه الصلاحيات تمارَس في ظلّ رقابة مالية غير مباشرة. ويشير الى أنّه من غير المنطقي، أن تستوجب قرارات رئيس البلدية التي تتطلّب صرف ما يفوق الثلاثة ملايين ليرة، موافقة سلطة الرقابة، خصوصاً أنّه بعد الأزمة الاقتصادية – المالية، باتت البلديات كلّها، حتى الكبرى منها، تعاني من مشكلة ممارسة صلاحياتها ربطاً بإمكانياتها المالية، إذ لا إمكانيات لممارسة الصلاحيات الواسعة، وبالتالي إنّ الإشكالية تكمن في الموضوع المالي وليس في الصلاحيات، بحسب بارود.
لذلك، إنّ هذه الرقابة التي توسّعت بفعل الأمر الواقع يجب أن تكون أضيق، لأنّ ما أُعطي للبلديات بالصلاحيات يؤخذ منها بالمال. وبالتالي، يجب بحسب بارود، تعديل هذه السقوف المالية وتأكيد أنّ الرقابة المُسبقة استثناء وليست القاعدة، لأنّ المجالس البلدية منتخبة، خصوصاً أنّ هناك رقابة لاحقة عليها من ديوان المحاسبة والقضاء، فالرقابة المسبقة هي المشكلة والتي تعطّل العمل، إذ تتوقف المشاريع الى حين موافقة سلطة الراقبة.
الى ذلك، يُشكّل الإنفاق المحلي من إجمالي الإنفاق العام عالمياً، كمعدل وسطي، نحو 27 في المئة، فيما يبلغ في لبنان 5 في المئة وبأفضل الحالات 7 في المئة. وهذا يستوجب، بحسب بارود، إعطاء البلديات إمكانيات أكثر للإنفاق العام، وإلّا لن تتمكّن من العمل.
مشكلة الاستقالة ومكان الانتخاب
من جهته، يعتبر وزير الداخلية والبلديات الأسبق العميد مروان شربل في حديث لـ”نداء الوطن” أنّ المشكلة الكبرى التي تعاني منها البلديات هي استقالة أعضاء المجالس البلدية، ما يؤدّي الى حلّ المجلس. ولذلك سبق أن قدّم إبّان تولّيه الوزارة إقتراح قانون يقضي بأنّه عندما يستقيل أحد أعضاء المجلس البلدي يحلّ مكانه العضو الأول من اللائحة الخاسرة، ما يحدّ من استقالة أعضاء المجالس البلدية، خصوصاً أّنّ معظم هذه الاستقالات تتمّ بخلفيات سياسية.
كذلك يرى شربل أنّ المواطن ينتخب في البلديات سياسياً ولشخصيات أو زعماء، وبالتالي لا تكون البلديات لخدمة المواطن. ويشدّد على ضرورة أن يكون الانتخاب في محلّ الإقامة، حيث أنّ هذه البلدية هي من تقدّم له الخدمات، إذ إنّ من يسكنون في منطقة معيّنة يسدّدون الرسوم للبلدية في هذه المنطقة، وليس في محلّ قيدهم حيث ينتخبون البلدية حتى لو أنّهم لا يسكنون ضمن نطاقها الجغرافي. وهذا الأمر يجعل المجالس البلدية تقدّم الخدمات للذين ينتخبونها فقط دون سائر السكان، فيما إذا أصبح الانتخاب في مكان السكن ستشهد الخدمات البلدية تطوراً إيجابياً.
خلفيات سياسية
في إطار المشكلات التي تعاني منها البلديات أيضاً، يشير شربل الى أنّ البلديات تتمتّع بقدرة كبيرة للعمل لكن غالبيتها لا تبذل مجهوداً لتحصيل الرسوم المترتبة على السكان في نطاقها، وتكتفي فقط بإعلان التكليف، فضلاً عن أنّ بعض البلديات يعمد الى عدم تحصيل الرسوم قصداً ممّن ينتخبونهم لأسباب انتخابية. ويلفت الى إمكانية رفع الرسوم البلدية من المجالس البلدية ضمن سقف معيّن بالاتفاق مع وزارة الداخلية. وبالتالي، لكي تتمكّن البلديات من العمل، خصوصاً في ظلّ هذه الأزمة، يجب رفع قيمة الرسوم وتحصيلها من جميع السكان ضمن نطاق البلدية.
الى ذلك، يلفت شربل إلى ضرورة ترشيد إنفاق البلديات، إذ على سبيل المثال، هناك بلديات عدة تقدّم تبرعات مالية لجمعيات خيرية غير مقيمة ضمن نطاقها البلدي ولا تمت إليها بأي صلة. هذا فضلاً عن ضرورة تعديل قانون البلديات، لجهة رفع سقوف الأموال التي يُمكن للبلدية صرفها من دون موافقة القائمقام أو المحافظ أو وزير الداخلية، خصوصاً أنّه في ظلّ الأزمة الراهنة، لم تعد البلديات تملك الإمكانيات نفسها التي كانت متوافرة لها سابقاً. والى الشوائب التي تتطلّب تعديلاً في قانون البلديات، يشير شربل الى طريقة عمل رؤساء البلديات وأعضاء المجالس، بحيث أنّ كثيرين منهم يعملون بخلفية سياسية وليس لخدمة المواطن، لأنّهم يطمحون الى مراكز أعلى، لافتاً الى أنّه طرح تعديل القانون منذ عام 2010، إلّا أنّ هذا الطرح لم يلق قبولاً لدى غالبية النواب وبعض السياسيين والنافذين، الذين يعتبرون أنّ البلديات تابعة لهم وليس للمواطنين.